الاثنين، 4 أبريل 2016

مقترح لتوطين الوظائف ولضمان مستقبل مسيرتها


مقترح لتوطين الوظائف ولضمان مستقبل مسيرتها

د/ عبدالرحمن إبراهيم الصنيع*

الغرض من هذا المقترح هو طرح حلاً عمليٍاً ومنهجياً وتنظيمياً نأمل أن يكون قابلاً للتطبيق ويحقق الأهداف المنشودة لتوطين الوظائف، والغرض الآخر هو اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان مستقبل مسيرة توطين الوظائف وبحيث تواكب متطلبات سوق العمل، ومن خلال هذا المقترح سنقدم محاولة نرى بأنها قد تسهم في فهم أفضل لمدى ترابط القطاعات والجهات الحكومية وغيرها ودور كل منها في مسيرة عملية توطين الوظائف. وهذا بالطبع يتطلب إجراء الدراسات والأبحاث. ولكي تأخذ القضية حقها من التغطية الموضوعية، بعيداً عن التحيز أو التعصب تجاه نتائج مرغوب فيها مسبقاً، سنحاول هنا تناول طرح القضية بأسلوب علمي بقدر الإمكان. وإذا كانت المشكلة مهمة وتمس المجتمع ككل، فالأمر البديهي والمتعارف عليه أنه لكي نتوصل إلى نتائج موضوعية عند نقاشنا وتحليلنا لظاهرة ما (قضية أو مشكلة) فلابد أن يقوم مجموعة من المتخصيصن (ذوي الاختصاص)
[ Panel of Experts ]
بصياغة لتعريف دقيق للمشكلة قيد الدراس وذلك بحيث يحدد هذا التعريف البنود الرئيسية التي تتمحور حولها المشكلة، يتبع ذلك تحديداً أيضاً لمجموعة من الأهداف التي يُرجى تحقيقها عند التوصل إلى نتائج البحث. ثم يتم التحاور والتشاور المستمر
والمكثف بين المختصين، وهذا الأسلوب هو ما يطلق عليه بالعصف الذهني
[ Brain Storming ]
الغرض منه التوصل إلى رصد مجموعة من المتغيرات (العوامل) التي يرى المتحاورون أنها قد تؤثر أو تتأثر بالمشكلة. بعد ذلك تبدأ مرحلة الدراسة الاستطلاعية [Exploratory Research] ، والتي من خلالها يستطيع الباحثون (المختصون) التعرف عن كثب على مرئيات وأفكار مبدئية حول أبعاد المشكلة تمكنهم من صياغة بعض الفرضيات (الاعتقادات) عن المشكلة، هذه الفرضيات قابلة للاختبار(التأكد) من مدى صحتها أو بطلانها. ثم تجرى الدراسة الميدانية، والتي الغرض منها جمع البيانات الأولية (المباشرة) حول فرضيات المشكلة، وهناك وسائل مختلفة لتحقيق ذلك مثل المراقبة [Observation] أو المسح [Survey]؛ بعد ذلك يتم التأكد من صحة المعلومات التي تم الحصول عليها ثم إدخالها وحفظها في جهاز الحاسب الآلي ليتم تطبيق النماذج الإحصائية المتوافقة لاختبار الفرضيات. وأخيراً تُختم الدراسة بإعداد تقرير مفصل يوضح بنود الدراسة وكل ما تطرقت إليه بما في ذلك النتائج والصعوبات والتوصيات.
من هذا المنطلق، وحيث لا تتوفر لدينا مقومات البحث العلمي عند كتابة هذا المقترح ولم يتم التحاور ولا النقاش المباشر مع نخبة من المختصين، نطرح هنا أطروحة والتي نعتقد بأنه إذا تم تبنيها قد تساهم في الحد من مشكلة تفشي البطالة بين خريجي المؤسسات التعليمية في جميع التخصصات في المملكة مثل: المدارس الثانوية ( تجارية،علمي،أدبي)، معاهد التدريب المهني، الكليات المتوسطة، الكليات التقنية، كليات التربية، الجامعات، الأقسام النسائية للمدارس والمعاهد والكليات والجامعات. هذه المقترحات تستند مبدئياً على مفهوم نظري مستمد من ”نظرية النظم [ Systems Theory ]“ مفاده أن المنشآت (أرباب العمل)، والمؤسسات التعليمية، ومجلس الغرف السعودية يشكلون مكونات [Components] في نظام مغلق؛؛ وأن خريجي المؤسسات التعليمية (الباحثين عن الوظائف)، وإمكانية توفر الوظائف، ومراكز التوظيف (القوى العاملة) في الغرف التجارية تمثل خصائص مكونات النظام
[ Attributes of  the System Components ]       
بمعنى آخر أن المنشآت تتقدم بطرح لتقدير المدخلات، والمؤسسات التعليمية تقوم بإفراز المخرجات المطلوبة تقديرياً، ومجلس الغرف السعودية بالرياض هو الوسيط  الناقل والمنسق.

وهكذا تتم هذه العملية على فترات زمنية محددة ومتفق عليها مسبقاً مثل مرة في السنة أو كل ثلاث سنوات؛ هذه المقترحات يمكن إيجازها على النحو التالي: ـ
● أن يتولى مجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية بالرياض القيام بمهمة التنسيق بين القطاع الخاص (أرباب العمل) والمؤسسات التعليمية، وذلك من خلال تشكيل إدارة خاصة وليكن مسماها ”مركز التوظيف [Recruitment Center]“  على أن يكون من ضمن مهامه الرئيسية تولي مهمة شئون القوى العاملة مثل: التوظيف، التنقل بين الوظائف، الشكاوي وفض النزاعات، الاستقالة، التقاعد، وما شابه. وأن تشمل هذه الإدارة قسماً للدراسات والأبحاث وبنكاً للمعلومات يحتوى على بيانات وإحصائيات وكل ما هو له علاقة بالقوى العاملة في القطاع الخاص داخل المملكة، وعلى أن يتم تحديث وحفظ كافة هذه البيانات والمعلومات في الحاسب الآلي.
  ● أن يقوم مجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية بالرياض بتعميد جميع الغرف التجارية والصناعية، والتي يبلغ عددها حتى الآن 21 غرفة منتشرة بالمدن الرئيسية بالمملكة، بضرورة إنشاء مراكز التوظيف مماثلة لمركز التوظيف الرئيسي لمجلس الغرف بالرياض وأن ترتبط جميع هذه المراكز ببعضها وبالمركز الأم في مجلس الغرف بالرياض بشبكة حاسب آلي (ربط جميع مواقع الغرف التجارية بموقع مجلس الغرف) بحيث يمكن أن يتم تبادل المعلومات أو إجراء أي  تعديل أو تحديث للبيانات بصفة متواصلة ومستمرة.
● أن تقوم كل غرفة تجارية (في كل مدينة ومحافظة) بعملية التنسيق والتشاور بين القطاع الخاص (أرباب العمل) والمؤسسات التعليمية المتواجدة في المدينة التي تتبع لها الغرفة. والمفترض أن قسم الدراسات والأبحاث، التابع لمركز التوظيف في الغرفة التجارية، هو الجهة المسئولة التي تتولى القيام بهذه المهمة، وذلك من خلال اتباع خطوات شبيه بالتالي: ـ
(1) تصميم استمارة استبانة الغرض منها جمع بيانات من مسئولي إدارة شؤون الموظفين لدى منشآت القطاع الخاص. (2) يتم توزيع نماذج استمارات الاستبانة على أكبر عدد مكن من المنشآت بنشاطاتها المختلفة (لاسيما الكبيرة والمتوسطة الحجم). (3) بعد الحصول على الاستمارات المعبئة يتم تصنيفها وتنظيمها على مجموعات حسب أنشطة المنشآت. (4) يتم التأكد من صحة تعبئة البيانات وحذف منها الناقصة والغير متناسقة وغير متوافقة مع باقي بنود الاستبانة. (5) تُدْخَل إجابات بنود بيانات الاستبانة، بموجب المجموعات التي تم تصنيفها، ويتم تخزينها في جهاز الحاسب الآلي. (6) يُجْرَى تطبيق الطرق (النماذج) الإحصائية التي من خلالها يمكن التوصل إلى النتائج المرجوة من إجراء البحث مثل:
تقدير إجمالي حجم طلب التوظيف و تحديد أنواع المهارات المطلوبة لمجموعة الوظائف المختلفة لكل مجموعة من نشاطات منشآت القطاع الخاص؛ المستوى التعليمي المطلوب؛ عدد سنوات الخبرة المطلوبة؛ النسبة المئوية للمنشآت التي تتوفر لديها مراكز تدريب وتأهيل وتطوير الموظفين. يُعَد تقرير شامل يوضح بالتفصيل النتائج التي توصلت إليها الدراسة بما في ذلك التوصيات والمقترحات.
● أن تقوم الغرف التجارية باستخلاص تقارير خاصة من نتائج الدراسة الأصلية وإرسال نُسَخ (صور) من هذه التقارير التي أعدتها إلى مركز التوظيف بمجلس الغرف التجارية والصناعية بالرياض. ثم يتولى المسؤولون هناك القيام بدورهم بتخزين جميع التقارير التي قد تم استلامها من كافة الغرف التجارية وحفظها بشبكة الحاسب الآلي.
● أن يتولى المسؤولون في مركز التوظيف بمجلس الغرف التجارية والصناعية بالرياض مهمة توزيع نُسَخ من هذه التقارير إلى الجهات الرسمية والمعنية بالمؤسسات التعليمية مثل وزارة المعارف أو معهد التدريب المهني أو وزارة التعليم العالي أو الرئاسة العامة لتعليم البنات بحيث يحتوي كل تقرير توضيحاً شاملاً بالمعلومات الخاصة عن الوظائف المطلوب إعدادها و تحضيرها من كل مؤسسة تعليمية خلال الفترة الزمنية المحددة (مثل خلال السنة أو الأربعة سنوات القادمة)
● أن تقوم كل مؤسسة تعليمية بإعداد دراسة شاملة ومستفيضة بحيث تأخذ بعين الاعتبار وتتطرق إلى جميع المعلومات والبيانات عن الوظائف المطلوبة والتي تكون المؤسسة التعليمية المسؤولة عن توفيرها؛ وأن تُخْتَتَم الدراسة بتقرير يشمل معلومات وبيانات تتعلق بنوع وعدد الوظائف والمهارات المطلوبة وغيرها والتي لها صلة بمهمة ومسؤولية المؤسسات التعليمية لإعداد وتحضير هذه الوظائف وتحضيرها لسوق العمل. بعد ذلك تتولى المؤسسة التعليمية مهمة توزيع نُسَخ من هذه التقارير إلى الوحدات التعليمية التابعة لها ( مثل المدارس الثانوية للبنين والبنات، أو معاهد التدريب المهني، أو الكليات المتوسطة،أو كليات التربية،أو الجامعات) في جميع مدن المملكة.
● أن تسعى كل مؤسسة تعليمية بتعميد الوحدات التعليمية التابعة لها بضرورة تأسيس مركز للتوظيف [Recruitment Center]. وأن تكون مهمة كل مركز توفير معلومات شاملة عن فُرَص الوظائف الشاغرة للخريجين والباحثين عن وظائف في جميع أنحاء المملكة؛ وبحيث تتضمن المعلومات على أهم البيانات عن الوظيفة مثل: مسمى الوظيفة، جهة التوظيف، اسم المدينة التابعة لها جهة التوظيف، المؤهلات المطلوبة، الراتب والمميزات، عدد الموظفين المطلوبين، وغيرها.
● أن يحرص مجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية بالرياض، وبصفة مستمرة، على ضرورة تحديث المعلومات والبيانات التي تصل إلى الوحدات التعليمية وذلك من خلال الاستمرار بمهمة التنسيق بين القطاع الخاص (أرباب العمل) والمؤسسات التعليمية.
كما باستطاعة مجلس الغرف التجارية بالرياض في موقعه بالشبكة العنكوبية (الانترنت) بنشر كافة البيانات عن الوظائف المتوفرة والشاغرة في القطاع الخاص في جميع أنحاء المملكة والعمل على تحديثها بصفة مستمرة وربما أسبوعية.                                         

المقترحات:
هناك عدة مقترحات لوضع عملية توطين الوظائف في نصابها الصحيح والتي نرى بأنه إذا تم أخذها بعين الاعتبار فإنها قد تساهم في تفعيل وتنشيط مسيرة توطين الوظائف، والتي يمكن إيجازها على النحو التالي: ـ
● ضرورة زيادة التنسيق والتعاون بين المؤسسات التعليمية والجهات ذات الاختصاص بسوق العمل مثل وزارة التخطيط و وزارة العمل والشئون الاجتماعية ومجلس القوى العاملة ومجلس الغرف التجارية والصناعية بالرياض وأرباب العمل في القطاع الخاص.
● يجب على الجهات المعنية في الدولة أن تتنبه لضرورة خلق فرص عمٍل و ليس مجرد توفير وظائف و شتان بين المصطلحين، فإن فرص العمل تعني طرح مشاريع يعمل فيها المواطنون و كلما زادت المشاريع زادت معها فرص العمل مع وضع ضوابط متنوعة تضمن أن تكون فرص العمل هذه موجهة فقط للمواطنيين وتضمن حقوقهم المختلفة. أما توفير الوظائف فهو لا يتعدي ما يحدث حالياً في بعض دوائر القطاع الحكومي من جهة تعيين أكبر عدد ممكن من المواطنين دون انتاج حقيقي ملموس.
● إصلاح وتطوير منظومات التعليم بأنواعه المختلفة والجامعي وإعادة النظر في محتويات المناهج التعليمية لمختلف مراحل التعليم بما يتوافق مع متطلبات العصر الذي نعيشه والقائم علي الكيف لا الكم وتكييف مخرجاته مع الحاجات التنمويه. على سبيل المثال لا الحصر, لابد من تطوير المناهج وأساليب التدريس وتقويم الأداء بالمرحلة الثانوية حتى يستطيع هذا التعليم إعداد الطالب والطالبة بالكفاءة المطلوبة والتي تؤهلهم لاستكمال دراستهم الجامعية.

● أصبح لزاماً علي جامعاتنا التنسيق مع الجهات المعنية لمعرفة متطلبات سوق العمل و ذلك لتحديد إحتياجات الأقسام العلمية والمهنية من الطلاب والطالبات وليكن خلال كل ثلاثة أو خمسة سنوات. إن هذا النهج سيحدد سوق العمل من بين التخصصات المختلفة بشكل يمنع تكدس الطلاب في التخصصات و هذا الأمر ينسحب أيضاً علي التخصصات النادرة لأن مراجعتها بين فترة وأخري أمر ضروري والمنطق يقول أن التخصصات النادرة للمخرجات التعليمية والمهنية التي لم تكن من متطلبات حاجة أو متوفرة في سوق العمل قبل خمسة سنوات، من الممكن اليوم أن تكون حاجة ملحة لها.

● ضرورة توجيه الطلاب والطالبات خريجي الثانوية العامة وإرشادهم نحو التخصصات ذات الطلب العالي في سوق العمل؛ وبهذا الخصوص لابد من تشكيل إدارة (في المدارس والجامعات) لهذا الغرض وأيضاً لغرض الاهتمام بالخريجين ومساعدتهم على إيجاد فرص وظيفية في سوق العمل.

● زيادة الإمكانيات لكليات الجامعات ذات التخصصات المطلوبة في سوق العمل،  وإرشاد الطلاب والطالبات نحو هذه التخصصات وذلك حسب متطلبات سوق العمل.
● بالنسبة لعملية توطين الوظائف الدُنيا (ذات رواتب منخفضة) والتي يلاحظ عزوف المواطنين لاسيما الشباب عنها وعدم رضاهم بقبول العمل فيها وذلك بسبب نظرة المجتمع لهذه الوظائف وتدني أجورها. إنها حقاً عملية معقدة ومتعددة الجوانب وتحتاج إلى تضافر جهود أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع بحيث تلعب المؤسسات الإعلامية دوراً لا يقل أهميةً عن دور المؤسسات التعليمية وكذلك الأمر بالنسبة لدور قادة الرأي والفكر في المجتمع وأئمة المساجد وعلماء الدين فجميع هؤلاء نأمل أن يكون لهم دوراً أكر في تغير قيَّم ومفاهيم واتجاهات أفراد المجتمع بالنسبة للمهن الدُنيا وتصحيح مفاهيمهم تجاهها؛ وذلك امتثالاً لما جاء في الكتاب والسنة، لقوله تعالى في كتابه الكريم ” قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون “ وأيضاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه “.
● إن المرأة تعتبر نصف المجتمع وتعتبر نسبة مشاركتها في سوق العمل لدينا من أدنى النسب في العالم بالرغم من أن الخريجات من المؤسسات التعليمية من الفتيات عددهم ضخم فكان من الضروري إتاحة فرص عمل أكبر لترتفع نسبة مشاركتها في سوق العمل، هذا بالإضافة أن أمامها سوق عمل مفتوح يكفل لها الوظائف والمهن التي لاتتغارض مع ديننا الحنيف، وأيضاً قرارات مجلس القوى العاملة قد فتح لها آفاق عمل جديدة تتناسب مع تكوينها وطبيعتها وتتماشى مع الشريعة الإسلامية. وهنا لابد من الجمعيات النسائية في جميع أنحاء المملكة أن تساهم في توعية المرأة عن فرص العمل المتاحة لها، وبالطبع سينتج عن ذلك تحقيق كفاءة أكثر لإجمالي عدد ونسبة النساء من القوى العاملة في المملكة.
● أن تقوم سياسات القبول بالجامعات على أساس أن التعليم العالي ليس حقاً اجتماعياً للفرد تضمنه الجامعة بل ميزة يحصل عليها فقط ذوي الاستعدادات والقدرات؛ على سبيل المثال الجامعات في بريطانيا تقبل [%30] من خريجي الثانوية العامة، و[%70] يتم توجيههم إلى القطاعات المختلفة التي يحتاج إليها المجتمع.

* أكاديمي واستشاري اقتصادي سعودي 

  جوال: 0500531200 

email: dralsanie@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق