الاثنين، 15 أغسطس 2016

كيفية التعامل مع عجز الموازنة

    كيفية التعامل مع عجز الموازنة

د. عبدالرحمن إبراهيم الحمد الصنيع*
تسعى كل دولة تتبنى نظام الاقتصاد الحر من خلال السياسة المالية [Fiscal Policy]
تحقيق ثلاثة أهداف اقتصادية رئيسية وهي:
أولاً: تقسيم الناتج المحلي بين الانفاق والاستثمار [الحكومي والخاص]

ثانياً: أن تتمكن موازنة الدولة من أن تؤثر إيجابياً على المقومات الاقتصادية في البلاد مثل رأس المال وطاقات الوحدات الانتاجية والأيدي العاملة وذلك من خلال الانفاق الحكومي المباشر والحوافز الغير مباشرة مثل التعرفة الجمركية وغيرها من رسوم والسياسة النقدية [Monetary Policy[

ثالثاً: اتباع نهج سياسة مالية بحيث تمكن الدولة من تشكيل موازنة بين اٌلإيرادات العامة والانفاق الحكومي للتأثير على مجمل الاقتصاد الكلي للدولة وذلك للمساعدة في تخيف آثار تذبذب الدورة الاقتصادية، والمساهمة في استمرارالتنمية وصيانتها، وبناء اقتصاد متحرر من نسب مرتفعة أو متقلبة من التضخم والبطالة.

ويحدث عجز الموازنة [Budget Deficit] عندما تزيد النفقات الحكومية عن الإيرادات العامة.
وهناك ثلاث وسائل رئيسية للتعامل مع تمويل عجز الموازنة، وهي:

أولاً: فرض الضرائب وزيادة الرسوم:
بالنسبة لفرض الضرائب فإنها سياسة غالباً تكون غير فعالة نظراً لتباين ما يدفعه الأغنياء والفقراء من الضرائب وبالتالي تفاوت ما يحصلون عليه من منفعة النفقات الحكومية. ونتائج سياسة الضرائب واضحةً وجليةً في مستوى المعيشة للأحياء السكنية التي يسكنها الأغنياء وتلك التي يقطنها الفقراء لاسيما في الدول الصناعية.
أما بالنسبة للملكة فإن الدولة تدرك بأنها لن تفرض على المواطنين الضرائب لعدة أسباب أهمها أن اقتصاد الدولة قوي وثانياً لدينا جباية زكاة الدخل اتباعاً لتطبيق شريعتنا الإسلامية السمحة وبالتالي فإننا لانحتاج لفرض الضرائب وعوضاً عن ذلك فإن الدولة تفرض رسوماً معقولة مثل رسوم الجمارك ورسووم أخرى لخدمات الدولة بحيث لاتشكل عبئاً على المواطنين.

ثانياً: إصدار النقود الجديدة، وقد يبدوا بأن إصدار نقوداً جديدة لتمويل عجز الموازنة وسيلة أفضل بكثير من فرض الدولة ضرائب تثقل كاهل المواطنين. لكن في واقع الأمر أن إصدار النقود الجديدة عادة يستخدم لضخها في تمويل مشاريع تنموية أو استثمارية ينتج عنها، فتح أبواب لسوق العمل، والتي أيضاً ستشكل فيما بعد مصادر إضافية لإيرادات الدولة وبالتالي سيعزز قدرة الاقتصاد المحلي. إلا أنه يجب الحذر والأخذ بعين الاعتبار من سلبية هذا التوجه وهو أنه قد يؤدي إلى الارتفاع في المستوى العام للأسعار [ارتفاع نسبة التضخم].

ثالثاً: القروض الحكومية والتي تتمثل في أن تقوم الدولة بمنح "سندات حكومية" للأفراد أو الجهات الحكومية، وهي بمثابة صكوك تثبت فيها الدولة مديونيتها بالمبالغ للذين اقترضتها منهم وتتعهد بسداد الدين بتاريخ محدد.
وغالباً ما تلجأ الدولة للاقتراض من البنوك والمؤسسات المالية المحلية. والغرض الأساسي من الاقتراض هو تمويل المشاريع الاستثمارية والتنموية للدولة والتي ستعود بالمنفعة للاقتصاد الوطني؛ فإذا كان الغرض من الاقتراض هو تمويل عجز الموازنة فلابأس من ذلك على أن تكون الدولة قادرة على سداد هذه القروض في المدة المحددة من خلال توقعات إيجابية بتحسن آداء الاقتصاد المحلي بحيث سيكون هناك فائضاً في الميزانية في الأعوام القادمة يمكنها من سداد القروض، مالم فإن هذه القروض ستتحول إلى مديونية وستشكل عبئاً للأجيال القادمة. أما بالنسبة لنا في المملكة فإن تمويل عجز الموازنة لهذه السنة والذي بلغ تقريباً 420 مليار ريالاً فإن توجه مؤسسة النقد نحو الاقتراض ربما سيكون له آثاراً سلبية لاسيما ونحن أمامنا مستقبل مجهول بالنسبة لأسواق النفط. ولقد تناول طرح هذه السلبيات بعض الأخوة في كتاباتهم.
لذلك وفي ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي يصعب تنبؤها ربما يكون هناك وسائل أخرى للتعامل مع تمويل عجز الموازنة والذي قد يكون له أضراراً أقل من الوسائل الثلاث التي تم ذكرها أعلاها؛ على سبيل المثال: بإمكان وزارة المالية اتباع سياسة ما يطلق عليه "التقشف" [Austerity] لهذه السنة فقط، وذلك من خلال اتباع الخطوات التالية على سبيل المثال:

▪خفض المبالغ المخصصة لبعض الوزارات والدوائر الحكومية وذلك بنسب تتراوح مابين [15 - 30]%

▪خفض وربما تأجيل بعض الإعانات الحكومية التي الدولة ملتزمة بها تجاه الدول الشقيقة والصديقة، والمنظمات والمؤسسات المحلية والدولية

▪طلب إعادة جدولة أي التزامات مالية خارجية للدولة وذلك بتخفيض نسبة دفع المبالع المستحقة على الدولة.

ونظراً لما تحظى به المملكة من مكانة مرموقة واحترام من كافة الجهات المحلية والدولية وأنهم على دراية تامة بالظروف الآنية وأسبابها التي تواجهها المملكة وبالتالي فإنهم سيقدرون الجهود العظيمة التي بذلتها المملكة من أجل التعاون للحفاظ على استقرار السلام والأمن في العالم.

ربما من خلال تطبيق سياسة التقشف قد تتمكن الحكومة من تمويل عجز الموازنة بالكامل ويتبقى فائضاً طفيفاً؛ وأيضاً قد تتمكن من تفادي كل المصاعب التي تترتب من تطبيق أحد الأساليب الأخرى. وبعون الله في حسابات الميزانية للسنة القادمة ستتمكن المملكة بعون الله من العودة بكامل سياستها المالية كالمعتاد والقيام بالتزاماتها المالية المحلية والدولية من خلال إلغاء سياسة التقشف.
 

* استشاري وكاتب اقتصادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق