الجمعة، 27 مايو 2016

مفاهيم اقتصادية [01]

بسم الله الرحمن الرحيم
اﻷخوة اﻷعزاء واﻷخوات الفاضﻻت، أبنائي وبناتي اﻷحباء، طﻻبي وطالباتي اﻷوفياء السﻻم عليكم ورحمة الله وبركاته والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وصبحكم الله بكل خير وجمعة مباركة متمنياً لكم أطيب اﻷوقات وأسعدها.

موضوع اليوم ﻷخر يوم جمعة فضيل من شهر رجب، سنبدأ باختصار وبأسلوب بسيط مع اﻻحتفاظ بالمضمون ودقة المعلومات وذلك بإلقاء الضوء على مفاهيم و معلومات هامة في علم اﻻقتصاد. والشرائح المستهدفة من هذه المواضيع هم الشباب والشابات والذين هم يعملون في المجاﻻت اﻷخرى.

اﻷمر الغريب أنه بالرغم من أن كثير من طلاب الجامعات في جميع أنحاء العالم يرون بأن علم الاقتصاد جاف وممل وغير شيق إلا أن غالبيتهم لايدركون بأنهم يستعملون أفكار علم اﻻقتصاد يومياً منذ استيقاظهم صباحاً وحتى خلودهم للنوم مساءً!! على سبيل المثال عند الاستحمام في الصباح: هل أستعمل شامبو [أ] أو [ب]؟! ونفس الشيئ بالنسبة لقالب الصابون؛ و أثناء وقت الراحة قبل صلاة الظهر في وجبة الظهيرة الساعة 11 ظهراً هل ض ساندوتش أو كيكة شوكلاته وأثنائها هل أشرب كوب قهوة أو مشروب غازي أو عصير برتقال أو عصير مشكل؟!. صدق أو لاتصدق إن تفضيلك ﻷي من هذه الاختيارات يعتبر بمثابة أنك اتخذت قراراً اقتصادياً بحتاً.

إن باتباعكم لهذه السلسلة كل يوم جمعة فضيل بعون الله سيتضح لكم بأن علم الاقتصاد ليس مفيداً فحسب بل وإنه ممتعاً وشيقاً.
موضوع اليوم هو اﻷول من سلسلة "مفاهيم اقتصادية" وسنستهله  بتوضيح كلمة "اقتصاد" ثم سنتطرق إلى تعريف علم اﻻقتصاد، وبعدها الموارد اﻻقتصادية والموضوع هو على النحو التالي⬇:

●يعتبر العالم اﻷسكتلندي أدم سميث أول من وضع أسس علم اﻻقتصاد عام 1776 من خﻻل اﻷفكار التي طرحها في كتابه "طبيعة وأسباب ثراء اﻷمم" [The Nature and causes of the wealth of Nations].

إن كلمة "اقتصاد" تعني في اللغة الإنجليزية كلمة "Economics" وهي بالتالي مشتقة من مصطلح مركب من اللغة اليونانية "Okou" وتعني أسلوب و "Nomos" وتعني البيت؛ لذلك فإن المصطلح يعني أسلوب أو قواعد أو قوانين البيت من حيث استخدام الموارد المحدودة المتوفرة في البيت أفصل استخداماً.

وعلى مر العصور تطور استعمال كلمة "Economics" مع تغير أسلوب ونمط الحياة اﻻجتماعية وفكر العلماء. لكن حتى اﻵن لم يتمكن علماء اﻻقتصاد من التوصل إلى تعريف واحد يتفقون عليه، ولقد قرأت 17 تعريف لعلم اﻻقتصاد في عدة مصادر. على أي حال، إن محتوى مضمون التعاريف التي توصلوا إليها تقريباً جميعها تدل على نفس المعنى باستخدام كلمات مترادفة ومصطلحات قريبة من التعاريف اﻷخرى

●سنستعمل تعريف العالم والبروفسور اﻷمريكي بول سامويلسون [Paul Samuelson] الذي حصل على جائزة نوبل في علم اﻻقتصاد عام 1970. ويمكن ترجمة هذا التعريف:

"اﻻقتصاد هو ذلك العلم الذي يدرس ويوضح كيف يمكن لﻷفراد والمجتمع اﻻختيار من بين الحاجات المتعددة التي يرغب في إشباعها أولاً عن طريق استخدام الموارد المتاحة والتي تتسم بالندرة (قلة وجودها) ويمكن استخدامها ﻹنتاج أكثر من سلعة أو خدمة وتوزيع هذا اﻹنتاج لتلبية احتياجات أفراد المجتمع التي تتسم أنها في تزايد مستمر سواءً حالياًً أو في المستقبل"

●يفهم من هذا التعريف أن الموارد المتاحة تتسم بالندرة أو قلة توفرها والتي ستستخدم في تلبية احتياجات أفراد المجتمع المتزايدة. فما هي هذه الموارد النادرة بالنسبة لتلبية احتياجات المجتمع المتزايدة.
يمكن توضيح هذه الموارد النادرة كما يلي:
في علم اﻻقتصاد الكلمات مثل موارد [Resources]؛ أو عوامل [Factors]؛ أو عناصر [Elements] جميعها تدل على نفس المعنى. وبالتالي فإن عوامل اﻹنتاج [Factors of Produtions] التي تستخدم من قبل الدولة أو الشركات الكبرى أو المؤسسات الصغيرة في النشاط الاقتصادي ﻹنتاج وتوزيع السلع والخدمات يمكن تصنيفها على النحو التالي:

(1) اﻷرض [Land] وتشمل الموارد الطبيعية مثل التراب والصخور، المياه السطحية والجوفية، النباتات واﻷشجار، النفط والمعادن والغاز، وكل ما يمكن استخدامه في الصناعة ﻹنتاج السلع والخدمات. وحينما تستخدم اﻷرض باعتبارها وحدة عقارية فإن عائد الدخل يطلق عليه ريع [اﻹيجارات]

(2) العمل أو العمال [Labor] ويشمل كل الموارد البشرية بأشكالها المختلفة مثل القوى العاملة التي تعمل، أو التي يمكن توظيفها في عمليات اﻹنتاج المتعددة وتضم على سبيل المثال العمال المهرة وغير مهرة والمدربة أو غير مدربة، والموظفين في الدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، والمهنين كاﻷطباء والمهندسين والمحامين واﻷكاديمين والمعلمين واﻻقتصادين والمستشارين؛ وعائد الدخل لهم يطلق عليه الرواتب أو اﻷجور

(3) رأس المال وهو نوعين: رأس المال الحقيقي [Real Capital] في المفهوم اﻻقتصادي يشمل اﻵﻻت والمعدات والمكائن واﻷدوات ومنشآت البنى التحتية (توصيلات المياه والكهرباء والمجاري والهاتف) والفوقية (الطرق والكباري والمباني الحكومية والمدارس والمستفيات والوحدات الصحية واﻷقمار الصناعية) ومباني المصانع والمنشآت التجارية للقطاع الخاص التي تستخدم في إنتاج السلع والخدمات المختلفة ويطلق عليها السلع الرأسمالية؛ ويطلق على العوائد رسوم أو مصاريف أو استحقاقات.

(4) التنظيم أو اﻹدارة أو المبادرة [Organization/Management/Entrepreneurship] وتشمل مجموعة المبادئ واﻷفكار واﻷشخاص المسؤولين عن إدارة المنشأة اﻻقتصادية والتخطيط لها وتسويق منتجاتها؛ وعائد الدخل يطلق عليه الأرباح [Profits]، أو ﻻسمح الله الخسائر [Losses]

●كما يفهم أيضاً من تعريف اﻻقتصاد للبروفسور سامويلسون أنه يتحتم على أفراد المجتمع والدولة اﻻختيار من بين الحاجات المتعددة المتنوعة والمتزايدة بصفة مستمرة باﻻستخدام اﻷمثل للموارد المتاحة والتي تتسم بالندرة، وهذه يطلق عليها المشكلة اﻻقتصادية

وبعون الله يوم الجمعة الفضيل القادم سنتطرق كالمعتاد بأسلوب بسيط وسهل إلى إلقاء الضوء على النظم اﻻقتصادية الثﻻثة والتعرف على كيف يتم اتخاذ القرارات في كل نظام لحل المشكلة اﻻقتصادية، وماهي إيجابيات وسلبيات هذه اﻷنظمة

جمعة مباركة وﻻتنسونا من صالح دعائكم.

__________________________________

والله من وراء القصد.

مفاهيم اقتصادية [03]

بسم الله الرحمن الرحيم
اﻷخوة اﻷعزاء واﻷخوات الفاضﻻت، أبنائي وبناتي اﻷحباء، طﻻبي وطالباتي اﻷوفياء السﻻم عليكم ورحمة الله وبركاته والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وصبحكم الله بكل خير وجمعة مباركة متمنياً لكم أطيب اﻷوقات وأسعدها.

موضوعنا ليوم هذا الجمعة الفضيل هو الثالث من سلسلة "مفاهيم اقتصادية"، والشرائح المستهدفة من هذه المواضيع هم الشباب والشابات، وأيضاً الذين ممن هم يعملون في المجاﻻت اﻷخرى. سنتطرق إلى إلقاء الضوء على الكيفية التي تعالج بها المشاكل اﻻقتصادية، وهي عن طريق ثلاث مداخل رئيسية في علم اﻻقتصاد، وموضوع اليوم هو على النحو التالي:

⬇⬇⬇⬇

•اﻻقتصاد الجزئي
[Microeconomics]

•اﻻقتصاد الكلي
[Macroeconomics]

•الاقتصاد القياسي
[Econometrics]


●اﻻقتصاد الجزئي:
يعتبر العالم اﻷسكتلندي أدم سميث [Adam Smith] هو أول من وضع أسس اﻻقتصاد الجزئي عام 1776 من خﻻل اﻷفكار التي طرحها في كتابه "طبيعة وأسباب ثراء اﻷمم" [The Nature and causes of the wealth of Nations]. وجاء من بعده عام 1817 ديفيد ريكاردو [David Ricardo] ليطور نظرية اﻻقتصاد الجزئي ليقدم بعض اﻷفكار مثل " أن الثمن يتحدد أساساً تبعاً لكمية العمل التي تستخدم في اﻹنتاج". ويقال بأن كل من آدم سميث وديفيد ريكاردو هم مؤسسوا "المدرسة اﻻقتصادية الكلاسيكية".

نظرية اﻻقتصاد الجزئي تتعامل مع مبدأي التعظيم [Maximization] والتقليل [Minimization] من أجل الوصول إلى مايطلق عليه الحالة الفضلى [Optimum].

ونظرية اﻻقتصاد الجزئي: تغطي موضوعات مثل سلوك المستهلك،  الطلب والعرض، المنشأت التجارية وتعظيم أرباحها وتقليل تكلفة اﻹنتاج، هيكل السوق، سعر السلع والخدمات. بعض المنظرين اﻻقتصادين يطلق على نظرية اﻻقتصاد الجزئي اسم "نظرية تحديد السعر"
[Theory of Price Determination]


●أما اﻻقتصاد الكلي:
يعتبر اﻻقتصادي اﻹنجليزي جون ماينرد كينيز [John Maynard Keynes] أول من وضعه في صيغته الحديثة من خﻻل أفكاره حين قام عام 1931بنشر كتابه "النظرية العامة في التوظيف والفائدة والمال" [The General Theory of Employment, Interest, and Money]

ونظرية اﻻقتصاد الكلي تتعامل مع مجمل آداء اﻻقتصاد المحلي مثل اﻹنتاج الكلي للدولة، الموازنة الحكومية، نفقات الحكومة، السياسة المالية والسياسة النقدية، البطالة والتضخم، أسعار الفائدة، عرض النقود والطلب عليها، مستوى اﻷسعار. بعض المنظرين اﻻقتصادين يطلق على نظرية اﻻقتصاد الكلي اسم "نظرية تحديد الدخل"
[Theory of Income Determination]


●اﻻقتصاد القياسي [Econometrics]:
وهذا المجال الحديث لعلم اﻻقتصاد استمد أصوله وقواعده من اﻻقتصاد الرياضي واﻻقتصاد اﻹحصائي. ولقد أطلق العالم النرويجي راجنر فريسك [Ragnar Frisk] عام 1926 اسم اﻻقتصاد القياسي حيث لم تكن هذه التسمية معروفة قبل ذلك التاريخ

وعلم اﻻقتصاد القياسي يستخدم كل من المعادﻻت الرياضية وأيضاً أساليب النماذج اﻹحصائية وذلك من خﻻل تحديد المتغير الثابت وتحديد المتغير أو المتغيرات التابعة في التحليل اﻻقتصادي، وبالتالي يقدم أساساً علمياً للتنبوء بالظواهر الكمية في تحليل المتغيرات (العوامل) المؤثرة في اﻻقتصاد الكلي مثل تحليل: عﻻقة اﻻستهﻻك المحلي بالدخل القومي، عﻻقة اﻻستيراد بالدخل، عﻻقة الضرائب بالدخل، عﻻقة اﻻستثمار بسعر الفائدة، باﻹضافة إلى دراسة المتغيرات الخارجية مثل اﻻنفاق الحكومي والصادرات والسيولة النقدية المتداولة. إذاً وكما يتضح أن اﻻقتصاد القياسي يعتبر أساساً للتنبوء بمتغيرات اﻻقتصاد الكلي لفترات مستقبلية في إطار عملية التخطيط اﻻقتصادي التي تقوم بها اﻷجهزة الحكومية المختصة والمؤسسات والمنشآت الكبرى في القطاع الخاص



وبعون الله يوم الجمعة الفضيل القادم سنتطرق كالمعتاد بأسلوب بسيط وسهل إلى نظرية الطلب ثم بعون الله الجمعة الفضيل الذي يليه سنتعرف على نظرية العرض.



جمعة مباركة وﻻتنسونا من صالح دعائكم.

_______________________

والله من وراء القصد.

الخميس، 26 مايو 2016

اﻷسباب التي قد تؤدي لانهيار اﻷنظمة اﻻقتصادية الثلاثة


             بسم الله الرحمن  الرحيم  

اﻷخوة اﻷعزاء واﻷخوات الأفاضل أبنائي وبناتي اﻷحباء طلابي وطالباتي اﻷوفياء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وصبحكم الله بكل خير متمنياً لكم أطيب اﻷوقات وأسعدها.

اخترت لكم موضوعاً اقتصادياً بالرغم من أنه طويلاً جداً إلا أعتقد بأنه هاماً ويعبر عن رأي الشخصي [وقد أكون خاطئاً في جزء أو بعض أو ربما كل ماطرحته] بالنسبة لخلفيات الانهيار الاقتصادي العالمي المتوقع حدوثه ربما خلال السنوات القليلة القادمة [وذلك حسب آراء بعض كبار الاقتصاديين المرموقين والذين وضحت وجهات نظرهم هنا على صفحات التواصل الاجتماعي [الفيسبوك والواتساب] في روابط مقاطع فيديو كثيرة على اليوتوب خلال العام الماضي[2015]. وهذا الانهيار الاقتصادي المتوقع قد يهز الكثير من اقتصاديات دول العالم مع التوضيح بذكر بعض اﻷمثلة، وأيضاً توضيحاً لبعض الدول التي قد ستتضرر من هذا الانهيار.

حيث أرى بأن أحد أهم اﻷسباب الرئيسية التي قد تؤدي للانهيار الاقتصادي العالمي المرتقب يكمن في الالتزام المطلق والتمسك الشديد لدول العالم بآليات اﻷنظمة اﻻقتصادية الثلاثة والتي كما سنرى كانت سبباً في اخفاقها لتحقيق الرفاهية للمجتمع والذي يعتبر الهدف الرئيسي لأي نظام اقتصادي. أما بالنسبة للحروب الطاحنة في المنطقة فهي بمثابة "القشة التي ستقصم ظهر البعير
[The straw that will break the camel's back]
أرجو أن تقراؤا هذا الموضوع بدقة واهتمام وإمعان، أملاً أن يروق لكم ويلقى استحسانكم والذي هو على النحو التالي⬇:

إن أحد أهم الأسباب للانهيار المحتمل لﻷنظمة اﻻقتصادية الثلاثة هو فقدان الطبقة المتوسطة في النظام الاقتصادي المخطط، وارتفاع نسبتها كثيراً في النظام المختلط، وعلى وشك تآكلها حالياً في نظام اﻻقتصاد الحر.

إن الطبقة المتوسطة من المفترض أن تشكل ما بين
[80-70]% في أي مجتمع وأن هذه النسبة المئوية تتفاوت من دولة ﻷخرى حسب ظروفها الاقتصادية [بحيث أن الطبقة المتوسطة في الشكل البياني لمنحنى الناقوس (The Bell Curve) تكون تحت كامل الناقوس، بينما الطبقة الغنية في الطرف (الذيل) الأيمن من الناقوس وتشكل تقريباً (10%)، والطبقة الفقيرة في الطرف اﻷيسر من الناقوس وتشكل تقريباً (10%)]. وأن الطبقة المتوسطة تعتبر بمثابة العمود الفقري والعجلة الديناميكية والوقود المحرك ﻷي اقتصاد. ونظراً ﻷن اﻷنظمة اﻻقتصادية الثﻻثة قد فشلت فشلاً ذريعاً في الحفاظ وتنشيط الطبقة المتوسطة مما أدى إلى انهيار اﻷنظمة اﻻقتصادية الثلاثة، وسأوضح كيف حدث ذلك على النحو التالي⤵:

● أولاً: فقدان الطبقة المتوسطة في نظام  "الاقتصاد المخطط" [The Planned Economy]
نظراً ﻷنه أساساً لايوجد سوى طبقة اجتماعية واحدة تتحكم الدولة بالكامل في إدارة شؤونها الاقتصادية، هذا بالتالي أدى إلى انحسار وتلاشي دور القطاع الخاص ومع مرور الزمن أدى إلى انهيار النظام الاقتصادي المخطط. وأمثلة على ذلك هو انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي، والابتعاد التدريجي لكل من دولتي روسيا الاتحادية [التي عاصمتها موسكو] والصين من النظام المخطط إلى نظام الاقتصاد المختلط، ربما ثم إلى الاقتصاد الحر

● ثانياً: بالنسبة للدول التي تتبع نظام "الاقتصاد المختلط" [The Mixed Economy] فإن نسبة الطبقة المتوسطة والتي كما يتضح مرتفعة جداً بسبب اﻹعانات الحكومية الضخمة لتغطية كافة إحتياجات هذه الطبقة لاسيما الضرورية مثل قطاعات كل من التعليم والصحة والنقل وغيرها، وهذا مما جعل الطبقة المتوسطة تبدو كأنها فقيرة لشدة حاجتها الماسة لدعم الدولة المستمر في تلبية احتياجاتها، وهذا بدوره شكل عبئاً كبيراً على إمكانيات الدولة مما أدى إلى استمرار ارتفاع نسبة الدين العام والالتزامات الدولية عليها. وخير مثال على ذلك هو أن رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة السيدة مارغريت ثاتشر منذ توليها سدة الحكم عام 1979 اضطرت لتحويل اقتصاد بلادها من النظام المختلط إلى نظام الاقتصاد الحر وذلك من خلال تقليص الإعانات الحكومية ورفع نسب سعر الفائدة للحد من ارتفاع التضخم، والتوجه نحو خصخصة الكثير من القطاعات التي تمتلكها الدولة وتشجيع الصادرات وأيضاً زيادة نسب الضرائب وذلك لرفع ميزانية الخزينة العامة. إن كل هذه اﻹجراءات اتخذتها السيدة ثاتشر بكل حماس للتحول إلى نظام الاقتصاد الحر برغم من أنها واجهت كثير من الانتقادات؛ لكن كما سنرى بأن الاقتصاد الحر لم ينجو من التهديد بالانهيار

● ثالثاً: أن تآكل الطبقة المتوسطة والتي تشكل ما بين
[70 - 80]% من المجتمع في "اﻻقتصاد الحر"
[The Free Economy]
كان سببه (حسب اعتقاد بعض كبار الاقتصاديين) بأن هذا النظام أثبت بما لايدعو مجالاً للشك ولعدة عقود بأن ما بين [80 - 90]% من ثروات الدولة يمتلكها أقل من
[10 - 20]% من أفراد المجتمع !!

● إن نظام الاقتصاد الحر ومنذ الحرب العالمية الأولى واجه عدة أزمات بل وانتكاسات، وخير مثال اﻷزمة المالية العالمية في عام [2008] التي بدأت في الولايات المتحدة وأدت لمعاناة معظم اقتصاديات دول العالم من كساد حاد جداً خاصة دول اﻻتحاد اﻷوروبي والدول الفقيرة والتي لازلت آثارها تهز اقتصاديات منظومة هذه الدول التي تتبنى نظام اﻻقتصاد الحر. وكما هو معلوم أن أحد الأسباب الرئيسية للأزمة المالية العالمية في عام [2008] هو ترك مؤسسات القطاع الخاص لاسيما المؤسسات المالية في أمريكا مطلق الحرية في تقديم القروض بشروط ميسرة للغاية دون أي تدخل من الدولة

هذا بالإضافة إلى إن انتشار ظاهرتي اﻻستحواز واﻻندماج والمضاربة في سوق اﻷوراق المالية وافتعال الفقاعات خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي أدى لسيطرة احتكار القلة مما تسبب بضعف القدرة التنافسية ورداءة المنتجات والخدمات وارتفاع نسبة البطالة. واﻷسواء من ذلك كله إن هذه اﻹجراءات وغيرها أدت إلى تكدس[90 - 95]% من ثراء الدولة مثل أمريكا في أيدي
[1 -5]% من أفراد المجتمع !!

● إن الموالين لنظام الاقتصاد الحر يدافعون عنه بالقول بما يطلقون عليه نظرياً:
"أن من خصائص النظام الاقتصادي لابد وأن يمر بالدورة الاقتصادية:
[ركود > نمو > انتعاش > ازدهار > ركود] وأن هذه الدورة الاقتصادية لابد وأن تعيد نفسها كل ثمان أو عشر سنوات لتصحح مسار اﻷوضاع اﻻقتصادية". وعندما يمر الاقتصاد في حالة الركود أو التضخم يقوم المسئولون المختصون باستخدام بعض آليات النظام لعلاج مشكلة الركود أو التضخم أو غيرها من مشاكل. و في اعتقادي بأن هذه اﻵليات المستخدمة ماهي إلا بمثابة مسكن وليس علاجاً وخير دليل إن هذه المشكلة تعود من جديد !!

● أما بالنسبة للأزمات الاقتصادية المزمنة للدول النامية فاعتقد بإنها عانت أشد المعاناة من الثالوث والذي تم تأسيسه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والثالوث هو: البنك الدولي [The World Bank]، ومؤسسة النقد الدولي
[International Monetary Fund (IMF)]،
ونظام الدولار النقدي [أو كما يحلوا للبعض استخدام مصطلح "الدولرة" {Dollarism}] وذلك من خلال إقراض هذه الدول على أن تقوم بتسديدها بفائدة مركبة [تسديد القروض بطريقة المتوالية الهندسية] وبالطبع نجم عن ذلك الغرق في بحر من الديون لايمكنها النجاة منه ورفض الثالوث إلغاء بعض من الديون، أو اسقاط مبالغ الفائدة المركبة ورفضه أيضاً ﻹعادة جدولة دفع المديونية، وذلك لكي تظل الدول النامية فقيرة إلى اﻷبد وبالتالي؛ إذاً وكما هو واضح أن الدول الصناعية تصطاد في الماء العكر وتشتري كميات كبيرة من السلع والمواد الخام بأبخص اﻷسعار وتستمر في الثراء بينما الدول النامية تستمر بالمعاناة من شدة الفقر بسبب تراكم الديون ناهيك عن تضخم مبالغ خدمة القروض !!

● هذا بالإضافة إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لقيام ما يسمى دول "الربيع العربي" في بعض الدول العربية هو تأكل الطبقة المتوسطة وانحدار الغالبية منهم إلى الطبقة الفقيرة

● إن عدم قدرة اﻷنظمة اﻻقتصادية الثلاثة وآلياتها في الحفاظ على الطبقة المتوسطة أدى إلى فشل هذه اﻷنظمة، ويمكن القول: "أن اﻷنظمة اﻻقتصادية الثلاثة وآلياتها قد عفى عليها الزمن" ﻷنه قد تم وضع أسسها وآلياتها لتخدم اقتصاديات الدول وتجد حلولاً وقتية لمشاكل آنية معينة خلال عدة عقود من الزمن

● ومن هذه الحيثية فإن فشل اﻷنظمة اﻻقتصادية الثلاثة في تحقيق الرخاء يحتم على كل دولة أن تستمتد من كل نظام اقتصادي اﻷفكار واﻷليات وأيضاً إدخال آليات جديدة بحيث تتناسب مع متطلبات ظروف اﻷوضاع اﻻقتصادية اﻷنية في كل بلد

● على سبيل المثال نحن في دول مجلس التعاون الخليجي نستخدم آلية الخطط التنموية الخمسية من نظام الاقتصاد المخطط؛ و في نفس الوقت نطبق آلية الإعانات الحكومية في التعليم والصحة وفتح البنوك الحكومية مثل بنك التسليف الزراعي لمساندة متطلبات المزارعين وهذه اﻹجراءات من آليات نظام الاقتصاد المختلط. وأيضاً نتبنى آلية الاقتصاد الحر من خلال ترك القطاع الخاص يقوم بدوره في الاقتصاد المحلي، و دور الدولة في الاقتصاد هو التأكد من أن اﻵليات المستخدمة من كل نظام اقتصادي تقوم بآدائها في المسار الصحيح وعلاج أي خلل قد يطرأ في أي من هذه اﻵليات. ونظراً لأن سكان دول مجلس التعاون الخليجي هم [100%] مسلمون فإن حكومات دول مجلس التعاون تتبنى آلية من نظام الاقتصاد الإسلامي وهي آلية "جباية الزكاة" والتي تقدر بنسبة مئوية سنوية [2.5%] من إجمالي صافي اﻷرباح. لذلك يمكننا القول بأن دول مجلس التعاون الخليجي بعون الله ستكون أقل تأثراً من الهزة الاقتصادية المرتقبة

● على أية حال، نرى بأن الدول التي ستقع فريسة لزلزال الهزة الاقتصادية العالمية المرتقبة هي التي لاتزال متمسكة أو إذا جاز التعبير ملتزمة بتطبيق آليات أي من اﻷنظمة اﻻقتصادية الثلاثة؛ على سبيل المثال بالنسبة لنظام الاقتصاد الحر: الولايات المتحدة وكندا واليابان واستراليا ونيوزلندا، والدول التي ستكون أكثر ضرراً هي دول الاتحاد الأوروبي

وبالنسبة لدول نظام الاقتصاد المختلط روسيا والصين والهند وإيران ستقع فريسة للهزة الاقتصادية المرتقبة، أما التي ستكون أكثر ضرراً في هذه المنظومة فهي دول أمريكا اللاتينية وبعض الدول العربية لاسيما دول [الربيع العربي]. أما دول نظام الاقتصاد المخطط فهما اﻵن كوريا الشمالية وفيتنام وإلى حد ما كوبا بالرغم من أنها بدأت بالتحول التدريجي من النظام الاقتصادي المخطط إلى نظام الاقتصاد الحر.

على سبيل المثال بالنسبة لدول نظام الاقتصاد الحر فإن حجم مديونياتها مرتفعة جداً تصل إلى 15 رقم
[المصدر: مجلة اﻹيكونمست أون لاين (معلومات يتم تحديثها كل ثانية)]

وقراءة المديونية بالدولار:
[مائة ,ألف,مليون,مليار ,تريليون ,
كويدرليون]:
(1) الولايات المتحدة=
[15,190,965,573,771]؛
(2) اليابان =
[12,141,211,475,410]؛
(3) ألمانيا =
[2,793,106,557,377]؛
(4) برطانيا =
[2,746,845,901,639]؛
(5) فرنسا =
[2,487,303,278,689]؛
(6) إيطاليا=
[2,352,701,639,344]؛
(7) كندا =
[1,703,404,918,033]؛

•والدول التي ستكون أكثر ضرراً هي دول الاتحاد الأوروبي التي أقلها ثراء لاسيما اليونان والبرتغال وأيرلندا وأسبانيا

وبالنسبة لدول نظام الاقتصاد المختلط، فإن حجم مديونية بعض هذه الدول:
(1) الصين=
[1,840,332,786,885]؛
(2) الهند=
[1,463,034,426,230]؛

•أما التي ستكون أكثر ضرراً في هذه المنظومة فهي دول أفريقيا [جنوب الصحراء] وأمريكا اللاتينية، بالرغم من مديونية هذه الدول أقل من الدول الصناعية حيث أن مديونياتها لا تتخطي 12 رقماً، وليس 15 كما هو حال الدول الصناعية، لكنها ستتضرر كثيراً ﻷن إيراداتها ضعيفة جداً وبالتالي فإنها ستجد صعوبة بالغة في مواجهة الانهيار الاقتصادي المرتقب. أما دول نظام الاقتصاد المخطط فهي كوريا الشمالية وفيتنام وإلى حد ما كوبا ربما ستواجه انهياراً حاداً لفترة طويلة من الزمن.

●وبالنسبة للدول العربية بالطبع فإن أكثرها ضرراً هي دول مايطلق عليها دول "الربيع العربي" نظراً ﻷنها تعاني من عدم الاستقرار حيث بعضها لاتزال تعاني من حرب أهلية طاحنة، والبعض اﻵخر منها لاتزال تعاني من الهجمات اﻹرهابية، أما دولتي الجزائر والمغرب فستواجه أقل ضرراً.

والجدير بالتنويه هنا هو أن حجم إجمالي المديونية المستحقة على جميع دول العالم يبلغ بالدولار:

[056,390,031,759,002]؛

و يقرأ حجم المديونية:

[ستة وخمسين كويدرليون وثلاثمائة وتسعين مليار وواحد وثلاثين مليون وسبعمائة وتسعة وخمسن ألف وإثنين دولار]

نفس المصدر:
مجلة اﻹيكونمست أون لاين.

والله أعلم.

《أسف جداً جداً وأرجوكم المعذرة على التطويل والاسترسال الذي وجدت بأن لا مفر من الاسهاب وذلك لكي أوفي كل جزئية من الموضوع حقها في الشرح لتوضيح وجهة نظري》

___________________________

والله من وراء القصد.