الخميس، 28 يوليو 2016

مفاهيم اقتصادية [09]

بسم الله الرحمن الرحيم
اﻷخوة اﻷعزاء واﻷخوات الأفاضل، أبنائي وبناتي اﻷحباء، طﻻبي وطالباتي اﻷوفياء السﻻم عليكم ورحمة الله وبركاته وصبحكم الله بكل خير وجمعة مباركة متمنياً لكم أطيب اﻷوقات وأسعدها.

موضوعنا ليوم هذا الجمعة الفضيل هو التاسع من سلسلة "مفاهيم اقتصادية"، والشرائح المستهدفة من هذه المواضيع هم الشباب والشابات والذين هم يعملون في المجاﻻت اﻷخرى. اليوم سنتعرف على "أنواع منافسة السوق"
[Types of Market Competition]

والموضوع هو على النحو التالي⬇:

● السوق هو إطار يشمل مجموعة من البائعين والمشترين على اتصال يمكن إجراء التبادل بينهم. وهناك عامﻻن مهمان ورئيسيان يحددان نوع منافسة السوق، وهما:

1 - عدد البائعين والمشترين: كلما زاد عددهم كلما اقتربنا من السوق التنافسي، وكلما قل عددهم ابتعدنا عن سوق المنافسة واقتربنا من اﻷسواق الاحتكارية

2- تجانس السلع المنتجة: كلما تجانست الوحدات المنتجة كلما تقترب السوق من السوق التنافسي، وكلما اختلفت كلما ابتعدنا عن سوق المنافسة واقتربنا من اﻷسواق الاحتكارية

● مما سبق نستطيع أن نميز بين أنواع اﻷسواق التالية:

■ 1- سوق المنافسة الكاملة أو التامة
[perfect Competition]

⏪ وأهم خصائصه:
• وجود عدد كبير من البائعين [جانب العرض] وعدد كبير من المشترين [جانب الطلب]. ومعنى هذا أن حصة كل بائع وكل مشتري في السوق صغيرةً جداً بحيث لا يستطيع أي من الجانبين التأثير على السعر وينجم عن ذلك قبول السعر السائد ويستطيع البائع بيع أي كمية عند هذا السعر ونفس الشيء يستطيع المشتري شراء الكمية التي يرغب بها

• عدم وجود قيود تمنع دخول أو خروج البائعين والمشترين من أو إلى السوق

• البائعون والمشترون على دراية بأحوال السوق بصفة عامة من حيثُ اﻷسعار وأنواع السلع وبظروف السوق المختلفة

• تجانس المنتجات ولا تختلف كثيراً من حيثُ المواصفات والخصائص، وهذا يعني أن البائع لايستطيع رفع سعر منتجه ﻷن المستهلك [المشتري] سوف يتحول إلى البائعين اﻵخرين

• أمثلة على سوق المنافسة الكاملة: سوق الذهب، سوق [حلقة] الخضار

■ 2- سوق الاحتكار التام أو المطلق [Monopoly]

⏪ وأهم خصائصه:

• وجود منتج أو بائع واحد للسلعة الواحدة في مواجهة طلب السوق

• أن السلعة أو الخدمة التي ينتجها أويبعها المحتكر لايوجد لها بدائل يمكن أن تحل محلها

• عدم إمكانية دخول مؤسسات أخرى لوجود عوائق كالقيود القانونية أو ضخامة رأس المال المطلوب

• أمثلة على سوق الاحتكار التام:
شركة الكهرباء والماء، وكيل سيارات تايوتا، وكيل سيارات نيسان، وغيرهم

■ 3- سوق احتكار القلة [Oligopoly]
⏪ وأهم خصائصه:

• وجود عدد قليل جداً من المنتجين أو البائعين للسلعة أو الخدمة الواحدة وبالتالي يمكن سياسة أحداهم تؤثر على مبيعات وحصتهم في السوق

• تشابه السلع أو الخدمات في كثير من الميزات

• وجود عوائق لدخول السوق تحد من دخول مؤسسات جديدة لنفس السوق

• أمثلة على سوق احتكار القلة:
سوق تقديم خدمات الاتصالات [الاتصالات السعودية، موبايلي، زين]، وكيلي سيارات جنرال موتورز، وكلاء شركات اﻷدوية

■ 4- سوق المنافسة الاحتكارية
[Monopolistic Competition]،

⏪ وأهم خصائصه:
• سوق تأخذ وضعاً وسطياً بين الاحتكار المطلق والمنافسة التامة

• وجود عدد كبير من المؤسسات صغيرة الحجم تحتل كل منها حصة صغيرةً من السوق، وبالرغم من إن عدد المنتجين [المؤسسات] كبيراً إلا أنه أقل من المنافسة التامة

• بالرغم من أن المنتجات [السلع أو الخدمات] متشابهة من حيث المضمون إلا أنها متمايزة من حيثُ الشكل [ماركات، علامات تجارية]

• أمثلة على سوق المنافسة الاحتكارية:
سوق الماركات العالمية للساعات ولمنتجات الملابس الجاهزة والأحذية للنساء والرجال واﻷطفال، وسوق الماركات العالمية لمنتجات عطورات النساء وكولونيات الرجال، وسوق الماركات العالمية لمنتجات مستحضرات التجميل النسائية، وغيرها من أسواق

وبعون الله يوم الجمعة الفضيل القادم سيكون الأسبوع العاشر واﻷخير لمواضيع الاقتصاد الجزئي، وسنتطرق كالمعتاد بأسلوب بسيط وسهل إلى بعض "المفاهيم الهامة في اﻻقتصاد الجزئي":
[Important Concepts in Microecnomics]

جمعة مباركة وﻻتنسونا من صالح دعائكم.

_________________________

والله من وراء القصد.

الخميس، 21 يوليو 2016

مفاهيم اقتصادية [08]

بسم الله الرحمن الرحيم
اﻷخوة اﻷعزاء واﻷخوات الأفاضل، أبنائي وبناتي اﻷحباء، طﻻبي وطالباتي اﻷوفياء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وصبحكم الله بكل خير وجمعة مباركة متمنياً لكم أطيب اﻷوقات وأسعدها.

موضوعنا ليوم هذا الجمعة الفضيل هو السابع من سلسلة "مفاهيم اقتصادية"، والشرائح المستهدفة من هذه المواضيع هم الشباب والشابات والذين هم يعملون في المجاﻻت اﻷخرى. اليوم سنتعرف على مرونة الطلب [Elasticity of Demand]

والموضوع هو على النحو التالي⬇:

●يمكن تعريف المرورية بأنها طريقة لقياس مدى تجاوب الطلب والعرض مع التغيير في اﻷسعار. تختلف السلع اختلافاً كبيراً في مرونة سعرها أو حساسيتها لتغيير السعر. فحينما تكون مرونة سعر سلعة ما عالية عندئذ نقول إن للسلعة طلباً  "مرناً"، وهذا يعني أن الكميات المطلوبة تتجاوب مع التغيير في السعر. وحينما تكون مرونة السعر لسلعة ما منخفضة عندئذ نقول إن للسلعة "طلباً غير مرناً"، وهذا يعني أن الكميات المطلوبة تجاوبها قليلاً مع التغيير في السعر

●و للتوضيح إن السلع الضرورية كالطعام والدواء والوقود [البنزين أو أنابيب الغاز] الطلب عليها غير مرناً عند ارتفاع أسعارها. على سبيل المثال إذا ارتفع سعر الليتر من البنزين الممتاز من 30 ريال إلى 50 ريال فإن المستهلك سيضطر لتعبئة السيارة 35 لتراً من البنزين الممتاز بدلاً من 65 لتراً؛ ولن يعبئ سيارته بالديزل ﻷنه ليس بديلاً للبنزين بالنسبة للسيارات الصغيرة [السدان]. أما بالنسبة للسلع الكمالية والتي يمكن إيجاد بديل لها وبالتالي تكون أكثر مرونة في الطلب عليها مثل السياحة كقضاء العطلة الصيفية فالذين اعتادوا الذهاب إلى لندن أو باريس فعند ارتفاع أسعار السفر إلى هذه البلدان [تذاكر الطيران، أسعار اﻹقامة في الفنادق، وغيرها] فإن المستهلكين بإمكانهم قضاء العطلة الصيفية في إحدى الدول العربية مثل مصر أو اﻷردن أو دبي أو هنا في المملكة مثل أبها والطائف.    

وبعون الله يوم الجمعة الفضيل القادم سنتطرق كالمعتاد بأسلوب بسيط وسهل على مرونة العرض [Elasticity of SUPPLY]

جمعة مباركة وﻻتنسونا من صالح دعائكم

____________________________

والله من وراء القصد.

الجمعة، 15 يوليو 2016

مفاهيم اقتصادية [07]

بسم الله الرحمن الرحيم
اﻷخوة اﻷعزاء واﻷخوات الأفاضل، أبنائي وبناتي اﻷحباء، طﻻبي وطالباتي اﻷوفياء السﻻم عليكم ورحمة الله وبركاته وصبحكم الله بكل خير وجمعة مباركة متمنياً لكم أطيب اﻷوقات وأسعدها.

موضوعنا ليوم هذا الجمعة الفضيل هو السابع من سلسلة "مفاهيم اقتصادية"، والشرائح المستهدفة من هذه المواضيع هم الشباب والشابات والذين هم يعملون في المجاﻻت اﻷخرى. اليوم سنتعرف على الكيفية التي تعمل بها آلية السوق [Market Mechanism]، والموضوع هو على النحو التالي⬇:

●من وجهة نظر اقتصادية يمكن تعريف السوق [Market] بأنه آلية عمل يتفاعل من خلالها المنتجون [البائعون] والمستهلكون [المشترون] لتحديد سعر وكمية سلعة أو خدمة.  وأن آلية السوق تقوم على افتراضيات أساسية أهمها الملكية الفردية لوسائل اﻹنتاج وحرية التصرف في هذه الملكية و في مواردها في إطار قوانين الدولة. بمعنى آخر أن المنتج [المنشأة] له الحرية الكاملة في أن يستغل موارده الاقتصادية ﻹنتاج السلع أو الخدمات التي يرغب فى إنتاجها. والمستهلك [الزبون أو العميل] له مطلق الحرية في أن يتصرف بدخله بالطريقة التي يراها مناسبة وملائمة له من المنتجات السلعية والخدمية

●إن هذه الحرية مقيدة بتحقيق أهداف معينة لكل منهما. فالمستهلك يسعى إلى تحقيق أقصى إشباع ممكن، بينما يسعى المنتج إلى تحقيق أقصى ربح ممكن. وتقوم آلية السوق لتحقيق التوفيق بين رغبات المستهلكين والمنتجين في ظل توفر حرية التصرف لدى اﻷطراف المتعاملة في السوق

●على سبيل المثال إذا زادت رغبة المستهلكين في الحصول على السلعة  [ب] ولتكن التفاح اﻷخضر، واستمر ازدياد الطلب عليه لانخفاض سعره. فسوف ينعكس ذلك في آلية السوق في صورة ارتفاع أسعار السلع [أ] ولتكن التفاح اﻷحمر، وانخفاض أسعار التفاح الأخضر. إن هذا التوجه يعني ارتفاع ربحية التفاح اﻷحمر وانخفاض ربحية التفاح الأخضر

●يترتب على ذلك: أن يتجه منتجوا التفاح اﻷحمر إلى تكريس مواردهم الاقتصادية ﻹنتاج التفاح اﻷحمر سعياً وراء تحقيق أقصى ربح ممكن، وينتج عن ذلك ازدياد إنتاج التفاح اﻷحمر إلى أن يتساوى اﻹنتاج مع الطلب عليها. بينما يسعى منتجوا التفاح الأخضر إلي تخفيض الطاقة اﻹنتاجية إلى يتساوى اﻹنتاج مع الكمية المطلوبة منه. وهكذا تعمل آلية السوق على أن تتساوى الكمية المطلوبة مع الكمية المعروضة من السلعة عند ثمن معين؛ وبالتالي يتحقق اﻹشباع الكامل للمستهلكين وأقصى اﻷرباح للمنتجين

●وأيضاً تعمل آلية السوق على انتقال عوامل اﻹنتاج بين فروع النشاط الاقتصادي في الدولة. على سبيل المثال إن ارتفاع سعر التفاح اﻷحمر وانخفاض سعر التفاح الأخضر يؤديان إلى ارتفاع عوائد مكافآت خدمات اﻹنتاج في التفاح اﻷحمر عما هو عليه الحال في التفاح الأخضر

●وينجم عن ذلك انتقال عوامل اﻹنتاج من التفاح الأخضر إلي التفاح اﻷحمر. بمعنى آخر، من خلال عمل آلية السوق واﻷسعار يصل المجتمع إلى التوزيع اﻷمثل للموارد الاقتصادية وإلى حالة التوازن حيثُ يتساوى الطلب الكلي مع العرض الكلي للسلعة أو الخدمة عند ثمن معين.   

وبعون الله يوم الجمعة الفضيل القادم سنتطرق كالمعتاد بأسلوب بسيط وسهل على مرونة الطلب
[Elasticity of Demand]

جمعة مباركة وﻻتنسونا من صالح دعائكم.

___________________________

والله من وراء القصد.

الخميس، 7 يوليو 2016

التكتلات الاقتصادية في العالم العربي


              التكتلات الاقتصادية في العالم العربي
الخلفية النظرية...العقبات التي تواجهها...آفاق المستقبل.. والمقترحات

دراسة تحليلية : د. عبدالرحمن إبراهيم الصنيع *

نظراً لتشعب موضوع التكتلات الاقتصادية
[ Economic  Blocks ]
أو أي موضوع له علاقة بالتكتلات الاقتصادية العربية. فالبعض يختلط عليه الأمر كلما قرأ أو سمع أو دار حديث عنها. وحقاً أن هذه مواضيع محيرة وإلى حد ما يختلط فيه الحابل بالنابل ( إذا صح التعبير). ولكي يتسنى لنا فهم أفضل للتكتلات الاقتصادية بصفة عامة و التكتلات الاقتصادية العربية بصفة خاصة سنتناول طرح دراستنا التحليلية لهذا الموضوع من خلال أربعة محاور رئيسية وهي: أولاً سنتطرق إلى الخلفية النظرية من وجهة النظر الاقتصادية، ثم نعرج إلى العقبات التي تواجهها التكتلات الاقتصادية العربية، بعد ذلك سنقوم بطرح تطلعاتنا لأفاق مستقبلها, وأخيراً نختتم دراستنا بإبداء بعض المقترحات التي نرى أنها قد تساهم في إنجاحها أو ربما تحقيق الحلم العربي في إنجاز الوحدة الاقتصادية العربية.
الشكل (1) : أنواع التكتلات الاقتصادية *
Types  of   Economic  Blocks (Integration )

                       

* المصدر: مقطع من نموذج كبير يوضح ظاهرة التجارة الحرة كأحد المساهمات العلمية في رسالة حصل بموجبها الكاتب على درجة الدكتوراة من جامعة شيفيلد ببريطانيا (1992م) و عنوان الرسالة:” تبني مفهوم التسويق في عمليات المناطق الحرة ـ دراسة دولية مقارنة “.
“ The Adoption of the Marketing Concept in the Operations of Free Trade Zones (FTZs): A Comparative Global Study ”

الشكل رقم (1) يوضح أنواع التكتلات الاقتصادية وأيضاً بتتبعها من جهة اليمين إلى اليسار يبين الشكل الخطوات أو المراحل التي تعتبر منطقية من وجهة النظر الاقتصادية المفروض أن يتبعها أي تكتل اقتصادي بين دولتين أو أكثر. وهنا نحاول أن نلقي الضوء على هذه المراحل، والتي هي على النحو التالي:
● اتفاقية التفاضلية الجمركية [Preferential Agreement] : وهي تعتبر بمثابة اتحاد جمركي. وهذه الاتفاقية تمثل المرحلة الأولى التي تبدأ بها  التكتلات الاقتصادية حيث يتم اتفاق مبدئي بين الدول الأعضاء بخصوص التسهيلات و الإعفاءات الجمركية على مجموعة (مفضلة) من السلع والخدمات بين بعض الدول الأعضاء في الاتفاقية.
● منطقة التجارة الحرة [(FTA)   The  Free  Trade  Area [ : والغرض من هذه الاتفاقية إلغاء العوائق الجمركية في التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، ولكن تحتفظ كل دولة بالحرية الكاملة بالنسبة للتبادل التجاري مع الدول التي ليست عضواً في الاتفاقية.
● الاتحاد الجمركي [ Customs Union ] : هذا الاتحاد يمثل المرحلة الثالثة وهو عبارة عن اتفاق الغرض منه إزالة الحصص و التعريفات الجمركية على جميع السلع والخدمات بين جميع الدول الأعضاء، وفي نفس الوقت تتفق الدول الأعضاء على نهج سياسات جمركية موحدة بالنسبة للتبادل التجاري مع الدول غير الأعضاء في اتفاقية الاتحاد الجمركي.
● السوق المشتركة[The  Common  Market ] : وهو عبارة عن اتفاق الغرض منه  ليس فقط إزالة الحصص و التعريفات الجمركية على جميع السلع والخدمات بين جميع الدول الأعضاء، وعلى نهج سياسات جمركية موحدة بالنسبة للتبادل التجاري مع الدول غير الأعضاء، ولكن أيضاً بالسماح لحرية التنقل لعوامل الإنتاج  بين الدول الأعضاء في اتفاقية السوق المشتركة ( مثل رأس المال، الأيدي العاملة، التقنية، وغيرها ).
● الوحدة الاقتصادية[ Economic  Union ] : هذا الاتحاد يمثل المرحلة الأخيرة التي يمكن أن تتوصل إليها دولتين أو أكثر لأنه وكما يدل عليه الاسم يعتبر وحدة اقتصادية شاملة. ومن خلاله تسعى الدول الأعضاء توحيد كل ما هو يتعلق بالمقومات الاقتصادية لدولهم والرقي بها مثل توحيد العملة، توحيد المواصفات والمقاييس والمعايير الخاصة بالإنتاج، توحيد الأنظمة واللوائح والتشريعات الخاصة بالعلاقات والتبادل التجاري البيني والخارجي، توحيد نهج السياسات المالية والنقدية بين الدول الأعضاء، توحيد واندماج البنوك والشركات التجارية، إنشاء بنك مركزي موحد، تَشْيِّد مبنى خاص ليصبح مقراً ومركزاً للأمانة العامة للوحدة الاقتصادية في أحد مدن الدول الأعضاء.

كما يتضح من الشكل (2) بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945م بدأت دول العالم تنظر إلى تحسين أوضاعها الاقتصادية فأخذت تسعى نحو أفضل السبل التي تمكنها من تحقيق طموحاتها، ونجم عن ذلك

أن قامت 23 دولة في يناير1948م بمدينة جنيف بإبرام اتفاقية الجات:” الاتفاقية العامة للرسوم الجمركية والتجارة General  Agreement  on  Trade and Tariffs (GATT) ]] “؛ 
وذلك من أجل تخفيض الرسوم والعوائق الجمركية على بعض السلع لتحفيز التجارة فيما بينهم.بعد ذلك بدأت الاتفاقيات الجمركية التي تتعلق بالتبادل التجاري تأخذ أشكال وأنماط مختلفة بين دول العالم. وبالطبع في بدايات عهدها كانت أكثر هذه الاتفاقيات تتم بين دول

إقليمية ( أي دول الجوار ) وكان أكثرها انتشاراً  آنذاك هي اتفاقيات التفاضلية الجمركية
Preferential Agreement] ].  هذه التكتلات ازداد عددها مع مرور الوقت نظراً للفوائد
الاقتصادية التي كانت تجنيها الدول الأعضاء من خلال الاتفاقيات الجمركية المحدودة.
هذه الفوائد أدت بالتالي إلى القناعة التامة لدى كثير من الدول إلى الارتقاء بالاتفاقيات الجمركية من أجل تعزيز وتقوية التبادل التجاري البيني؛ نتج عن ذلك دخول وارتباط كثير من الدول في مجموعة من الاتفاقيات الجمركية [ كما هي موضحة بالشكل (1) ] وكان يطلق عليها آنذاك بالتكتلات الاقتصادية الإقليمية. أدى ذلك إلى انتشارها السريع تقريباً بين معظم دول العالم؛ وكان ولا يزال أكثرها رواجاً هي مناطق التجارة الحرة
[(FTA)   The  Free  Trade  Area [. والذي ساهم في ازدياد عدد التكتلات الاقتصادية هو كما ذكرنا ارتباط كثير من الدول في مجموعة من الاتفاقيات الجمركية مثل دول الاتحاد المغاربي في شمال أفريقيا والتي ترتبط مع بعضها باتفاق الاتحاد الجمركي [Customs Union] أيضاً بعض هذه الدول ترتبط مع دول الاتحاد الأوروبي باتفاقية منطقة التجارة الحرة؛ وأمثال هذه الأنواع من الاتفاقيات منتشرة بكثرة في جميع أنحاء العالم. حيث بلغ عدد التكتلات الاقتصادية بجميع أنواعها بنهاية عام 1998م أكثر من 220 تكتلاً؛ والمؤشرات تدل على أن هذا العدد قد يصل تقريباً إلى 350 تكتلاً مع نهاية عام 2005م
[ كما هو موضحاً بالشكل (2) ].

ثانياً العقبات التي تواجهها التكتلات الاقتصادية العربية:
لكي يتسنى لنا استيعاب العقبات التي تواجهها التكتلات الاقتصادية العربية نرى أنه من الضروري أن نستعرض بعض التطورات التاريخية التي مرت بها ومن خلال ذلك نتطرق إلى الأسباب التي أدت إلى ظهور المشاكل، والتي نوجزها هنا على النحو التالي:
إن العقبات التي يواجهها تنفيذ مشروع أي تكتل اقتصادي عربي يعود تاريخها إلى ظهور فكرة مركز تموين الشرق الأوسط في عام[1941م] على أيدي الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. ومنذ بدايات حصول بعض الدول العربية على استقلالها أخذ هذا التوجه يتبلور إلى إنشاء تجمع اقتصادي عربي. وبالفعل بعد أن دخل ميثاق جامعة الدول العربية حيِّز التنفيذ ابتدأً من 11/5/1945م تضمن الميثاق نصاً يقضي بضرورة التعاون الاقتصادي بين الدول العربية. ولكن فكرة التعاون هذه مرت بتجارب مريرة كثيرة ولقد اِتُخِذَ حيالها العديد من القرارات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل استمرار مسيرة التجمع الاقتصادي العربي.

وكان من ضمن هذه الاجتهادات الطموحة أنه في عام 1950م عقدت دول جامعة الدول العربية معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي وتم أيضاً إنشاء المجلس الاقتصادي العربي، حيث كان يعتبر أول تشكيل اقتصادي إقليمي على مستوى العالم. بعد ذلك وفي عام 1953م عقد المؤتمر الأول لوزراء المال العرب والذي تم فيه إقرار اتفاقيتي تسهيل التبادل التجاري وتجارة الترانزيت وتنظيم المدفوعات وانتقال رؤوس الأموال.
ثم في عام 1956م تم إقرار المجلس الاقتصادي لاتفاقية تتعلق بشأن الجدول الموحد للتعريفة الجمركية لمجموعة محددة من السلع والذي يطابق المرحلة الأولى في التكتلات الاقتصادية وسبق أن تطرقنا إليها والتي يطلق عليها اتفاقية التفاضلية الجمركيةAgreement] Preferential] والتي تعتبر المرحلة الأولى نحو التكامل الاقتصادي العربي، تلى ذلك وفي عام 1957م إقرار المجلس الاقتصادي العربي اتفاقية الوحدة الاقتصادية [Economic Union] والتي تمثل المرحلة الأخيرة في تطور التكتلات الاقتصادية. وفي عام 1964م اعتمد المجلس الاقتصادي العربي أن اتفاقية الوحدة الاقتصادية دخلت حيِّز التنفيذ، وفي نفس العام وبتاريخ 13/ 8 / 1964م تم اتخاذ قرار بإنشاء السوق العربية المشتركة والتي تعتبر المرحلة الرابعة وقبل الأخيرة في التكتلات الاقتصادية. كما يتضح أن فكرة ”السوق العربية المشتركة
[Arab Common Market (ACM)]“ والذي تم التوقيع عليها في القاهرة عام 1964م بين خمسة دول وهي: مصر والكويت والأردن وسوريا والعراق لم يكتب لها النجاح لأنها مرت بمشاكل عديدة. وفي اعتقادنا أن أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور المشاكل التي واجهتها الدول العربية في محاولاتها نحو تحقيق تكتل اقتصادي عربي تكمن في : ـ إن الوحدة الاقتصادية الأوربية( الاتحاد الأوروبي ) مرت بالتدرج على خمسة مراحل من التطور مدتها 36 عاماً [ 1958م ـــ 1994م ] وهي بالترتيب[ كما موضحاً بالشكل (1)] على النحو التالي: اتفاقية التفاضلية الجمركية؛ منطقة التجارة الحرة؛ الاتحاد الجمركي؛ السوق المشتركة؛ وأخيراً الوحدة الاقتصادية. بينما شاهدنا من خلال استعراضنا للتطور التاريخي نجد أن الأقطار العربية لتصل إلى الوحدة الاقتصادية أنها بعد أن وقعت اتفاقية المرحلة الأولى التفاضلية الجمركية قفزت بعض المراحل الأولى الأخرى وذلك بتوقيعها على اتفاقية المرحلة الخامسة (الأخيرة) وهي الوحدة الاقتصادية بعد ذلك قامت بتوقيع اتفاقية المرحلة قبل الأخيرة وهي السوق العربية المشتركة عام 1964م. ربما يعود ذلك إلى حماس بعض المسئولين للفكرة آنذاك ولكن عدم إلمامهم الكافي بمراحل تطور التكتلات الاقتصادية ـ إن طموحات القادة والزعماء العرب نحو تحقيق التكامل الاقتصادي العربي كانت أقوى وأشد من استعداداتهم لتفعيل هذه الطموحات وتحويلها وتنفيذها على أرض الواقع، ويعود ذلك للأسباب الأخرى التالية:

قبل أن تتبلور فكرة إنشاء تجمع اقتصادي عربي كانت عدة دول عربية مستعمرات أوروبية وتعتبر حديثة عهد بالنسبة لتكوينها الاقتصادي والسياسي ولم تكن مؤهلة لمواكبة مجريات الأحداث على الساحة الدولية لتلك الفترة، وبالتالي كانت أرض خصبة لرواج وتفشي الأيديولوجيات بين بعض رجال السياسة والعسكر والفكر العرب ولذلك كانت هناك دائماً مواجهات وصراعات فيما بينهم؛ وبعض المؤرخين يطلقون على هذه الحقبة من الزمن والتي تمر بها بعض الأمم ” بعصر الأيديولوجيات [ The  Age  of  Ideologies ] “ ويعتبرونها أحد المراحل الطبيعية التي يمر بها بعض الشعوب خلال تطورهم الحضاري.
ــ كان من مظاهر تلك الحقبة من الزمن أن بعض الزعماء والقادة والمفكرين لعدد من الدول العربية أخذوا يتبنوا بعض الشعارات الأيديولوجية التي كانت سائدة في ذلك الوقت والتي تروق لهم مثل: الاشتراكية، القومية العربية، الفكر البعثي، وإلى حد أقل الماركسية, وغيرها ـ نظراً لأن معظم هذه الشعارات الأيديولوجية تتعارض مع بعضها فهذا أدى بالتالي إلى سوء التفاهم و نشوب الخلافات الحادة وتردي العلاقات بين بعض الزعماء والقادة والمفكرين العرب ـ إن انشغال بعض الزعماء والقادة العرب في مهاترات وإرهاصات الشعارات الأيديولوجية أدي إلى إهمالهم  للجانب الاقتصادي حتى أن تبني بعض هذه الأيديولوجيات نتج عنه تردي الأوضاع الاقتصادية لدولهم ـ هذا بالتالي أدى إلى تفاوت الأنظمة الاقتصادية التي يتم تطبيقها في الدول العربية وبالتالي إلى اتساع الهوة لمستوى النمو الاقتصادي بين الدول العربية ـ منذ زرع دولة إسرائيل في المنطقة اشتبكت الدول العربية في أربعة حروب طاحنة استنزفت الطاقات والإمكانيات البشرية واستهلكت الموارد الاقتصادية الأخرى للأمة العربية، إن محصلة التطورات التاريخية مجتمعة نتج عنها إغفال أو تغيب فكرة أي تكتلات عربية ووضع أخر ملف لها منذ عام 1964م ولفترة طويلة على أرفف جامعة الدول العربية.
الآن ننتقل إلى محاولة التعرف على بعض المشاكل التي تواجهها محاولات الدول العربية في تحقيق مشروع أحد هذه التكتلات وهو تنفيذ السوق العربية المشتركة، والتي يمكن سردها على النحو التالي:ـ منذ إنشاء السوق العربية المشتركة عام 1964م لم ينضم إليها عدد كاف من الدول العربية حيث بلغ عددهم حتى عام 1981م سبع دول فقط ( أي ثلث مجموع الدول الأعضاء في الجامعة العربية )، وهذا قد يدل على عدم اقتناع الكثير من الدول العربية بنجاح الفكرة نظراً للأسباب التي ذكرناها مسبقاً مثل التي تتعلق بمحاولة قفز وإغفال المراحل الأولى الثلاثة والتي تسبق الانتقال إلى تحقيق السوق العربية المشتركة، و بتباين وتنافر التوجهات (أيدلوجيات) وأيضاً اختلاف النظم الاقتصادية المتبعة في الدول العربية ـ إن عدد الدول التي كانت تعمل بموجب اتفاقية السوق المشتركة كان أيضاً محدوداً خلال فترة السبعينيات، هذا

بالتالي ومع مرور الوقت أدى إلى ظهور المشكلة التالية ـ بالرغم من مرور حوالي 41 عاماً على توقيع اتفاقية السوق العربية المشتركة [ 1964م ـ 2005م ] إلا أنه وحسب الإحصائيات الرسمية إن حجم  تبادل التجارة البينية للأقطار العربية لا يزال دون المستوى حيث يشكل معدله ما بين [%8 ــــ 9%] بما فيها تجارة النفط والبتروكيميائيات.
والأمر المؤسف أن حجم التجارة العربية يشكل حوالي[ 2.5 ٪ ] من إجمالي حجم التجارة العالمية ـ لقد كانت هناك عدة محاولات لتصحيح أوضاع اتفاقية السوق العربية المشتركة منذ قيامها ومن ضمنها مثلاً إعادة صياغة بعض بنود الاتفاقية لكي تكون مقبولة لبعض الدول المعارضة ولكن إعادة بعض الصياغات قوبلت بالرفض من قبل دول أخرى، وهكذا؛ محاولة أخرى وهي إبرام اتفاقيات الاتحاد الجمركي بين مجموعة من الدول العربية، وبالفعل كانت هناك محاولتين صوب هذا الاتجاه أحدهما توقيع اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي والذي يضم في عضويته ستة دول عربية تطل على الساحل الغربي للخليج العربي، ولقد تم التوقيع على هذه الاتفاق شهر فبراير[ شباط 1981م] بالرياض بين كل من السعودية والكويت والإمارات العربية وقطر وعُمان والبحرين، وكان من ضمن أهداف هذه الاتفاقية هو تعزيز الروابط الاقتصادية ( من خلال الاتحاد الجمركي) والسياسية والدفاعية بين الدول الأعضاء؛ أما المحاولة الأخرى فكانت بعد حوالي ثمانية سنوات وذلك في شهر فبراير 1989م بطرابلس بتوقيع اتفاقية الاتحاد المغاربي بين خمسة دول من المغرب العربي وهم الجزائر وليبيا والمغرب وتونس وموريتانيا، وهذه بالطبع تشمل نفس أهداف اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي..
على أية حال، الأمر الذي يهمنا هنا الجانب الاقتصادي في كلتا الاتفاقيتين ومع الأسف الشديد لم يلقى النجاح الذي يرتقي لطموحات الدول الأعضاء في الاتفاقيتين. بعد ذلك اضطرت بعد ذلك مجموعة من الدول العربية أن تقوم بعدة محاولات للارتباط باتفاقيات مناطق التجارة الحرة ولكن أيضاً كان الفشل مصير كل تلك المحاولات لأنها واجهت عوائق كثيرة أهمها تدور حول البنود التي لها علاقة باستعمال المواصفات والمقاييس للسلع والبضائع والخدمات، والنسب المئوية التي يجب أن تلتزم بها حيال الرسوم الجمركية بين الدول التي تربط باتفاقية مناطق التجارة الحرة.

نستخلص مما تقد شرحه أن المشاكل التي تواجهها محاولات الدول العربية في تحقيق مشروع أحد التكتلات الاقتصادية العربية مثل مشروع تنفيذ السوق العربية المشتركة، أو اتفاقية منطقة التجارة الحرة، أو الاتحاد الجمركي مرت بمشاكل متعددة ومتنوعة لدرجة أنه يمكن أن ينطبق على أي منها مبدأ ” مشروع مع وقف التنفيذ“. لكن هناك عاملين رئيسيين يمكن أن يوضع تحتهما خطين أحمرين باعتبارهما السببين الرئيسيين  وراء فشل كل تلك المحاولات، وهذان السببان يكمنان في ( وكما وضحنا مسبقاً ) : [1] انشغال بعض الزعماء والقادة العرب في مهاترات وإرهاصات الشعارات الأيديولوجية الذي أدي إلى إهمالهم  للجانب الاقتصادي حتى أن تبني بعض هذه الأيديولوجيات نتج عنه تردي الأوضاع الاقتصادية لدولهم وتخلفهم حضارياً مقارنة بدول شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة .
[2] إن المسؤولين والمعنيين في الأقطار العربية ليصلوا إلى التكتل الاقتصادي المنشود لم يتمكنوا من محاولة التطبيق التدريجي للخمسة المراحل التي تعتبر منطقية من وجهة النظر الاقتصادية المفروض أن يتبعها أي تكتل اقتصادي[ والتي هي موضحة بالشكل رقم(1)]، بل وكما رأينا منذ التوقيع على تنفيذ مشروع السوق العربية المشتركة أخذت الأقطار العربية طيلة تلك الفترة تتخبط بين مرحلة وأخرى في مسيرتها نحو تحقيق التكامل الاقتصادي العربي. 

ثالثاً آفاق مستقبل التكتلات الاقتصادية العربية:                               
إن آفاق مستقبل التكتلات الاقتصادية العربية يمكن أن نستشفه من خلال تتبع التغيرات و التطورات التي طرأت على الساحتين العربية والدولية وكيفية تعامل المسؤولون والمعنيون في الأقطار العربية لتلك المستجدات والتي يمكن إيجازها على النحو التالي:
ـ منذ منتصف الثمانينيات تشهد الساحتين الإقليمية والدولية متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية سريعة الإيقاع مثل انهيار الشيوعية في الاتحاد السوفييتي السابق؛ المحاولات المضنية لتحقيق سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط؛ تطبيق و ترسيخ النظام العالمي الجديد [ The  New  World  Order ] والذي من أهم توجهاته يتمثل في عولمة الاقتصاد  Globalization  of  the  Economy ] [ بتكوينه الثالوثيTriad  Structure ] [ النحو التالي:
(1) تنفيذ بنود منظمة التجارة العالمية [WTO] خاصة فيما يتعلق بتحرير التجارة وإزالة العوائق والقيود الجمركية وفتح جميع أسواق العالم على بعضها البعض، بحيث تصبح قدرة الدول لغزو الأسواق الأخرى يعتمد على مدى قدرة السلع والبضائع المعروضة على التنافس لاسيما من حيث الأسعار والجودة، وضمان المنافسة الشريفة (تجنب سياسات الإغراق) في التبادل التجاري وكل ما يتعلق بتعزيز أواصر التجارة الدولية؛

(2) تفعيل  دور البنك الدوليThe World  Bank] [ ومساعدته بممارسة أنشطته وتقديم المعونات الفنية لمساندة هذه الدول الفقيرة في تحقيق أهداف مشروعاتها التنموية.
(3) تمكين الثالوث الأخير في منظومة عولمة الاقتصاد وهو صندوق النقد الدولي
[ Fund Monetary  International ]  من إنجاز مهامه في تخفيف أعباء الديون المستحقة على الدول النامية،و تقديم التسهيلات التمويلية، وأيضاً تشجيع التعاون المالي على نطاق دولي وذلك من خلال إيجاد نظام حر ومنظم يكفل ويضمن الإشراف على حركة التبادل والتعامل للعملات الأجنبية أثناء بيعها وشرائها من أجل خلق توازن في أسواق العملات الأجنبية. هذا بالإضافة إلى أن اتساع تقدم الثورة المعلوماتية الذي تمخض عنه الانتشار السريع لوسائل الاتصال المختلفة عبر قارات العالم والتي ساهمت إلى حد كبير في تضيق نطاق الحدود الجغرافية بين دول العالم مما أدى إلى غزو الثقافات، وهذا على المدى البعيد قد ينجم عنه تغير في المفاهيم والقيم والمبادئ والتقاليد مما يؤثر( سلباً وإيجاباً )على نمط وأسلوب الحياة الاجتماعية في معظم دول العالم... أما بالنسبة للتكتلات الاقتصادية، فالأمر الذي يثير الانتباه أنه و منذ الثمانينيات بدأ انتشار ظاهرة التكتلات الاقتصادية الإقليمية وبشكل ملحوظ [ كما هو موضحاً في الشكل رقم (2) ] ولازم هذا التوجه في حقبة التسعينيات أيضاً انتشار ظاهرة اندماج الشركات الدولية الكبرى في شتى القطاعات.
إن كل هذه التطورات أدت إلى تزايد القناعة التامة لدى الحكومات العربية بحتمية تعزيز التبادل التجاري البيني, وتمخض عن ذلك تدشين ” المنطقة العربية الحرة الكبرى “ التي تم التوقيع عليها بتاريخ 11/1997م وتم تنفيذها بتاريخ 1/1998م بحيث تتدرج التخفيضات الجمركية السنوية على السلع بنسبة [%10 ] إلى أن تلغى كافة الرسوم الجمركية عام 2007م ـ والأمر الذي كان قد يعزز من هذا التوجه (آنذاك) هو أنه في ذلك الوقت نرى أن غالبية الدول العربية تتبع في خططها الاقتصادية نظام الاقتصاد الحر، وفي نفس الوقت تبدي التزامها الكامل بتطبيق وتنفيذ برامج من أجل إصلاح المؤسسات والمنشآت المالية لتحقيق الاستقرار المالي والنقدي ومن أجل تحسين المناخ الاستثماري ـ تؤكد الإحصائيات الأخيرة التي أصدرها صندوق النقد العربي وتم نشرها في ” التقرير الاقتصادي العربي  (1998م) “ أن حجم التجارة البينية العربية خلال عام 1995م قد بلغ 28.5 بليون دولار من إجمالي حجم التجارة الخارجية العربية الذي بلغ 306.5 بليون دولار، وتحتل المملكة المرتبة الأولى من ناحية الصادرات العربية البينية حيث بلغت حصتها [ %14 ] تليها الإمارات بنسبة  [ %13 ] ، وبالنسبة للإيرادات العربية البينية تأتي الإمارات في المرتبة الأولى بحصة نسبتها [ %14.9] تليها المملكة بنسبة [11.5% ] ـ

إن المسؤولين والاقتصاديين في الحكومات العربية يعون الآن جيداً إن حماية مصالحهم الاقتصادية أمام ”عولمة الاقتصاد “ لن تتحقق إلا بتعزيز التعاون والتبادل التجاري البيني ويعلمون أيضاً أنه في ظل التوجه العالمي نحو التكتلات الاقتصادية الإقليمية والغير إقليمية أنه لا يوجد مجال للاتفاقيات الثنائية ـ المسؤولون والاقتصاديون في الحكومات العربية على وعي وعلم تام بأن بنود منظمة التجارة العالمية لا تتعارض مع تشكيل التكتلات الاقتصادية لأن التكتل الاقتصادي يمثل كتلة (دولة) واحدة، ولكنها تتعارض مع اتفاقيات التبادل التجاري الاقتصادي بين الدول بخصوص إزالة الرسوم الجمركية البينية وفرضها على الدول الأخرى( كما هو الحال بالنسبة لاتفاقية منطقة التجارة الحرة ) ـ إن هذا الوعي تمخض عنه ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثالثة والمنطقية والتي تلي اتفاقية التجارة الحرة وهو التأكيد على توقيع اتفاقية الاتحاد الجمركي والتزام كل الأطراف بجميع بنودها، إن الاتفاق على الاتحاد الجمركي كان أحد أهم المواضيع التي طرحت في اجتماعات الدورة السادسة والستين للمجلس الاقتصادي الأعلى والاجتماعي العربي على مستوى وزراء المالية والاقتصاد العرب والذي تم عقده في دمشق بتاريخ [ 15/7/1421هـ  ـــ 13/9/2000م ] ـ إن كل هذه الأسباب والتطورات لابد وأن تفضي في نهاية الأمر إلى حتمية إقامة ” السوق العربية المشتركة “ والتي طال انتظارها.

رابعاً بعض المقترحات لتحقيق الوحدة الاقتصادية العربية:                               
نحاول الآن طرح بعض المقترحات والتي نرى أنه عند تبنيها أو تطبيق بعض من بنودها قد يساهم في تحقيق تنفيذ مشروع الوحدة الاقتصادية العربية، والتي نوجزها على النحو التالي: لابد من حكومات الدوال العربية أن تأخذ بمحض الجدية و أن تبذل قصارى جهدها لحل المشاكل السياسية المتعلقة فيما بينها. لأن الدول العربية لا ولن تتمكن من تحقيق أهدافها نحو تحقيق الوحدة العربية الاقتصادية الشاملة، أو حتى أحد المراحل الأولى من التكتل الاقتصادي، ما لم تضع حدا لإنهاء المشاكل السياسية العالقة بينهم، وتحاول الوصول إلى

السبل الكفيلة لمنع حدوث أي مشاكل أو خلافات سياسية في المستقبل. لأنه وكما هو معلوم
أن الجانب السياسي والجانب الاقتصادي هما وجهان لعملة واحدة. وبمعنى أخر إذا كانت
هناك مشاكل سياسية في أي دولة فلابد أن ينتج عن ذلك تدهور في الأوضاع الاقتصادية فيها؛ فما بالك إذا كانت المشاكل السياسية بين دولتين أو أكثر. والعكس صحيح، أي أنه إذا كانت الأوضاع الاقتصادية لدولة ما في حالة جيدة فهذا بالطبع سيؤدي إلى الاستقرار السياسي في تلك البلد. ونفس المنطق يساق على مجموعة الدول العربية ـ

إذاً نرى من الأفضل للدول العربية أن تبدأ بمرحلة الاتحاد الجمركي بين مجموعة الجوار من الدول العربية كما هو عليه الحال الآن مثل اتحاد دول مجلس التعاون، والاتحاد المغاربي، واتحاد دول بلاد الشام، والاتحاد العربي لدول غرب أفريقيا( مصر والسودان والصومال وجيبوتي وجزر القمر). إن هذه الاتحادات الجمركية العربية عندما يتم تطبيقها وتنفيذ بنودها ستشكل فيما بعد النواة الأربعة للتقدم والانتقال إلى المرحلتين الرابعة والخامسة ( السوق العربية المشتركة ثم الوحدة الاقتصادية العربية ) ـ عند اندماج الاتحادات الجمركية العربية ( النواة الأربعة) وتوحيدهما في السوق العربية المشتركة لابد من التأكيد على وضع تصور واضح لتنفيذ مشروع السوق العربية المشتركة بحيث يحمل في طيته استراتيجية ( خطة شاملة )
مستقبلية تتضمن بنوداً للخطوات والتوصيات ذات أولويات واضحة وآليات التنسيق التي تكفل التطبيق وقبول مشاركة جميع الدول العربية بقطاعيها الحكومي والخاص ـ لابد للجهات المختصة في الدول العربية من الالتزام بإنهاء خصخصة القطاعات الإنتاجية التي تمتلكها الحكومات لأن هذا سيساعد إلى حد كبير من تفعيل دور القطاع الخاص من زيادة مساهمته في الناتج المحلي [ هذه الخطوة تعتبر أحد المقومات الأساسية التي يرتكز عليها الاقتصاد الحر ] ـ أن تحرص الجهات المختصة في الدول العربية بأن تضع مصلحة قيام السوق العربية المشتركة فوق مصالحها القطرية ـ أن تحرص الدول العربية على الاستغلال الأمثل لكافة الموارد الاقتصادية المتوفرة لديها ـ أن يسعى المجلس الاقتصادي الأعلى العربي على ضرورة إحداث هيئة عامة مسؤولة عن المنتجات العربية والاهتمام بالخصائص التي لها علاقة بالمواصفات النوعية Specifications ]  ] والجودة [ Quality ] ـ أن يبذل المجلس الاقتصادي الأعلى العربي جهوداً نحو الاهتمام بالبحوث والتطوير في بنك المعلومات عن كل ما يتعلق بالتبادل التجاري البيني خاصة التصدير والاستيراد وأن يحرص على تحديث هذه المعلومات بصفة سنوية ويقوم بتوزيعها وبنشرها، كما لابد وأن يبذل دوراً نحو الاطلاع عن كثب على المنتجات التي يتمتع بها كل قطر عربي عن غيره من المزايا النسبية للمنتجات (قدرة الدولة على إنتاج سلع وبضائع بتكلفة أقل وجودة أعلى مقارنو بالدول الأخرى)، وحث الدول العربية على التركيز في إنتاج مثل هذه السلع ـ أن تحاول الجهات المعنية في الأقطار العربية من تخفيض تكاليف النقل بين دولهم هذا سيساهم إلى تخفيض أسعار السلع مما يجعلها في وضع أفضل أمام المنافسة العالميةـ ولتعزيز وتفعيل التجارة العربية البينية لابد و أن تحرص الجهات المختصة في كل دولة عربية بتخصيص نسبة تتراوح ما بين [ %5 ــــ 10٪ ] من إجمالي الناتج المحلي لها وضخه في مشاريع استثمارية داخل الدول العربية ـ إنه من الضروري تنويع  الإيرادات الحكومية للأقطار

العربية وذلك من خلال توجه الحكومات العربية نحو التعاون مع القطاع الخاص في الدول العربية المختلفة في الاستثمار بمشروعات مشتركة خاصة في المجالات الغير تقليدية مثل الاهتمام بتكنولوجيا المعلومات، والتجارة الإلكترونية، وتطبيق التكنولوجيا في الجهاز المصرفي وسوق الأوراق المالية؛ حيث أن مجال التقدم في الثورة المعلوماتية متاح  للدول العربية وقد يكسبها ميزة نسبية نظراً لعدم وجود حواجز أو منافسة شديدة مقارنة بالمجالات التي تتعلق بالمجالات الصناعية الأخرى على الساحة الدولية ـ يجب التنويه هنا بأن أي مجموعة عربية، يربطها أي تكتل اقتصادي دون مستوى الوحدة العربية ( أي من التكتلات الأربعة الأولى)، قد تقوم وبدافع من الحماس بأن تحاول الهرولة والقفز باتخاذ قرار نحو توحيد عملاتها. وهذا يعتبر قرار خاطئ جداً وقد يضر بكل ما تم إنجازه. لأن عملية توحيد العملة تتم عند نهاية المرحلة الخامسة والأخيرة من التكتل الاقتصادي. وعند توحيد العملة في نهاية مرحلة الوحدة الاقتصادية هناك معايير يجب أن تلتزم وتتقيد بها مجموعة الدول الأعضاء، وأهم هذه المعايير على سبيل المثال عضوية دول الاتحاد الأوربي تلتزم التقيد بالمعايير التالية:(1) أن لا يتجاوز عجز الميزانية نسبة [%3] من إجمالي الناتج المحلي؛ (2) أن لا يتجاوز حجم الدين العام نسبة  [%60] من إجمالي الناتج المحلي؛ (3) أن لا يتجاوز معدل التضخم نسبة [%1.5] من متوسط نسبة التضخم لمجموعة الدول الأعضاء؛ (4) أن لا يتجاوز سعر الفائدة الطويلة الأجل نسبة [%2] من متوسط نسب أسعار الفائدة للدول الأعضاء.
ـ إن تبني هذه المقترحات أو بعضها قد يساهم في تحقيق تنفيذ مشروع السوق العربية المشتركة، إنها أيضاً قد تلعب دوراً كبيراً في الوصول إلى المرحلة الأخيرة في التكامل الاقتصادي العربي وهي:
” الوحدة الاقتصادية العربية ( واقع )  Arab   Economic   Union ( AEU ) ]   [“،

والتي تعتبر من أهم الطموحات  والحلم الكبير لكل مواطن عربي داخل وخارج الوطن العربي. هذا بالتالي لابد وأن يُفضي إلى تعزيز ثقة رجال الأعمال والمستثمرين العرب في قوة ومتانة الاقتصاد العربي وأن الأموال والاستثمارات العربية الضخمة في الخارج والتي قدرت حسب الإحصائيات الأخيرة بنحو 850 بليون دولار(بعون الله) سيتوجه جزء كبير منها إلى”السوق العربية المشتركة( والتي مستقبلاً ستتحول إلى الوحدة الاقتصادية العربية) “ وسيصبح حجم التجارة العربية البينية 306.5 بليون دولار، وحجم التجارة العربية الخارجية 28.5 بليون دولار أي عكس التقديرات الحالية ، وهذا بالتالي سينجم عنه ارتفاع ملحوظ في الناتج المحلي للأقطار العربية مما سينعكس إيجابياً على رفاهية المواطن العربي من المحيط إلى الخليج.

المصادر العربية :
ـ اتحاد الغرف العربية ” التقرير الاقتصادي العربي “ يونيو 1998م
ـ إيليا حريق ( محرر) ” العرب والنظام الاقتصادي الدولي الجديد “ – دار المشرق والمغرب _ 1983م
ـ عبدالملك يوسف الحمر ” تحديات السوق العربية المشتركة ¬_ مجلة الاقتصاد الإسلامي _ ص [9 ـــ 15] _ بنك دبي الإسلامي _ أغسطس 2000م
ـ عبدالرحمن السحيباني ” تدشين المنطقة العربية الكبرى“ _ مجلة اقتصاديات السوق العربي _ ص [34 ـــ 35] _ شركة كندة للنشر _ مارس 1998م
ـ د. عصمت عبدالمجيد ” عقبات تواجه مشروع المنطقة العربية الحرة “ _ مجلة اقتصاديات السوق العربي _ ص [24 ـــ 25] _ شركة كندة للنشر _ سبتمبر 1998م
ـ د. عبدالرحمن الصنيع ” تبني مفهوم التسويق في عمليات المناطق الحرة “ ـ رسالة دكتوراه ـ جامعة شيفيلد ، إنجلترا ـ 1992 م
ـ د. عبدالرحمن الصنيع ” منطقة التجارة الحرة بين المملكة ومصر ... ضرورة أم خيار استراتيجي “صحيفة عكاظ _ مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر_ 14/11/1999م

المصادر الأجنبية :
─  Dr. Abdulrahman  I . Al - Sanie (Dec. 1991) “ The  Adoption  of  the            Marketing  Concept  in  the  Operations  of  Free  Trade  Zones :  Comparative  Global  Study ” ─  Unpublished  PhD  Thesis ;   A   
.     Submitted  to  the  University  of  Sheffield , England , UK
─  Mr. Sam  Laird  “ Seminar  on  Custom  Unions  and  Free  Trade 
     Areas ” ─ Under  the  Auspices  of  the  Ministry  of  Commerce ─
     Riyadh  on   [ 24 ─ 27 ] May , 2000 .
─ Dr.  Andrew  Schotter (1985)  “ Free  Market  Economics : A  Critical
    Appraisal ” ─  St. Martin’s  Press , New  York , NY.
─ Dr. Harry  Shutt (1985) “ The  Myth  of  Free  Trade ” ─  The Economist
     Publications , London , UK .
─  Dr. L. Alan  Winters (1985) “ International  Economics : Based  on
  Sydney  Wells’ Original  Work ”  Allen & Unwin , London , UK .